بحث

جار التحميل...
مشاركة

الملخص التنفيذي :

إبان الثورة التونسية، ظهرت بوادر انفراج في حرية التعبير،رافقتها موجة من الانفلات في هذا الحق،     و لعل الذاكرة الوطنية قد نست بعض المحتويات الهجينة التي ظهرت على شاشات التلفزيون متخفية وراء يافطة حرية التعبير: انطلاقا من خروج بعض  القوى الظلامية ليلوح بالكفن على مرأى و مسمع المشاهدين، مرورا بالمشاحنات التي كان وقودها هستيريا الضجة الإعلامية و التي كانت تكتسح وسائل الإعلام ،وصولا إلى تصريح أحد العناصر المتشددة –سيف الدين الرايس- أن الأمنيين طاغوت .

و من هنا انطلقت أول سلسلة من العمليات الإرهابية والنزيف الذي طال البلاد اكثر من 5 سنوات .

حدث هذا قبل احداث الهيئة العليا المستقلة للإتصال السمعي و البصري  تزامنا مع اليوم العالمي لحرية الصحافة في 3 ماي 2013. و التي اتجهت نحو ضبط  أسس المسائلة القانونية لوسائل الإعلام السمعي و البصري،وربما لو تواصل هذا الإنفلات و التخاذل في إرساء مؤسسات منظمة للقطاع، لظهرت قنوات اباحية خفية أو علنية لحيازة رخص لوسائل اعلام متطرفة.

السياق العام و المقدمة :

السياق العام و الظرفية:

وفي الآونة الأخيرة، يعد التراجع عن المرتبة الدستورية للهيئة، و المساس الملحوظ لصلاحياتها علاوة عدم تركيز مجلس صحافة حيوي ضامن لأخلاقيات المهنة. علاوة على التضييقات التي رافقت رواد حرية التعبير و الصحافيين التونسيين  الذي يشكل عودة لمربع خنق الحريات الأول و مؤشر خطير يهدد بإنهيار المنظومة الإعلامية.

أهمية المبحث و تأثيراته:

و لهذا يمكن الجزم بأن تنظيم آليات المسائلة القانونية لوسائل الإعلام التونسية ، رغم انها الوسيلة الأقدر لتحقيق التواصل المنظم وتبادل الأفكارالمأطرة، فإن هذا الحق  تضبطه آليات قانونية و مؤسساتية وتقيده مصالح فردية وجماعية ،لها أهميتها وقيمتها بالنسبة لحماية حقوق الصحفيين و تكريس حرية التعبير كأحد ثوابت دعم الديمقراطية، فضلا على حماية دولة المؤسسات وحقوق الأفراد والمجتمع، الذي يعد المنبع الأصلي للاستثناءات المسلطة على الحق في التعبير،على أن لا تخرج على الغاية المشروعة منها كاحترام وحفظ حقوق وكرامة الآخرين، وتكون ضرورية ومتناسبة حتّى لا يقع المسّ بجوهر الحقّ. إذا فإلى أي مدى ممكن أن يبلغ تأثير انهيار المنظومة الإعلامية و التضييق على حرية التعبير؟ و ماهي البدائل المناسبة لتحفيز حرية التعبير و دعم مسار الديمقراطية و دولة المؤسسات؟ 

تكمن أهمية هذا المبحث من خلال حساسية السياق الذي فرض أسباب ساهمت في تعكير المناخ الإعلامي من جهة و التضييق على حرية التعبير من جهة ثانية: انطلاقا من المس بالمرتبة الدستورية للهيئة العليا المستقلة للإتصال السمعي و البصري مرورا بتصدير صلاحياتها الانتخابية على وسائل الإعلام لهيئة الانتخابات –و هذا يعتبر في صميم اختصاصها- وصولا لبعض محاولات التضييق على الصحفيين، 

 كل هذا وغيره يجعل هذا المطلب في حاجة للمعالجة الفورية ، لتحقيق المصلحة العامة والنأي بحرية التعبير عن بعض المنزلقات القانونية و المؤسساتية . 

حجم الإشكال و نطاقه : 

تفكك المكونات المحيطة بالمنظومة الإعلامية :

اتجه بعض الفلاسفة الماركسيين مثل هربرت ماركوز في مقاله التسامح القمعي  إلى أن غياب الرقابة لا يضمن ممارسة الحرية على نحو يستحق التقدير، ففي غياب اطار تشريعي واضح يضبط آليات تعديل الإعلام  و يشهد تراجع  واضح لحضور آليات التعديل و الرقابة، أفرزت ترهل و انحلال في المشهد الإعلامي التونسيأ. قد يفضي هذا وفق عديد الخبراء إلى انهيار تام للمنظومة الإعلامية  بسبب تفكك المكونات الأساسية له على غرار :  

  • تراجع الدور التعديلي و التدخلات القانونية عند عدم احترام التعاقدات مع هيئة التعديل و هذا يعد راجع لإضعافها و عدم تركيز صلاحياتها ما بعد المرحلة الإنتقالية.
  • تدهور دور مكونات المجتمع المدني المهتمة بالمشهد الإعلامي.
  • شلل في المنظومة المهنيّة: من التعديل الذاتي والمساءلة على غرار مجلس الصحافة والمواثيق الأخلاقية، إضافة إلى المواثيق التحريرية داخل المؤسسات.
  • سوق إشهارية تشوبها محاولات للإلتفاف على القانون  مع منظومة قيس جمهور كان من الأجدر أن تكون من صلاحيات الهيئات المستقلة .

هكذا نستشفّ أن الصحفيين (أو مهنة الصحافة التي ليست “مهنة حرّة” على غرار الطب أو المحاماة) حيث أن الصحفيين لا يمثّلون سوى مكوّنا من مكوّنات النظام الإعلامي. ولهذا فإنّ جودة الصّحافة ليست مسؤولية الصحفيين فقط.

أسباب  الإشكال و تأثيراته : 

أسباب الإشكال :

و لعل التطورات الأخيرة التي ما فتئت تطفو على الساحة من حين لآخر ، أفرزت  تعكرا في المناخ الإعلامي و تراجعا للتموقع المؤسساتي،  ما انبجس عنه  انفلات و فقدان السيطرة على كوابح التوازن بين حرية التعبير و المسؤولية الإعلامية: بحيث انطلقت الإشكالات بعد سلسلة التضييقات و الملاحقات لزمرة من الوجوه الإعلامية و فرض عقوبات سالبة للحرية ، وذلك عوضا للدور التعديلي التي كانت تفرضه هيئة الاتصال السمعي و البصري، و التي كانت تعكف على هاته المهمة من خلال  فرض مقاربة تحمل تدرج في سلم التدخلات بما يتوازى مع الخرق: انطلاقا من لفت نظر المؤسسة الإعلامية مرورا بالتنبيه، وصولا إلى  القرارات العقابية كالخطية المالية أو الإيقاف الجزئي أو النهائي أو الإحالة على القضاء …و رغم أن هذا المسار  أكد فعاليته منذ 3 ماي 2013 و ساهم في الخروج من نفق الانفلات الإعلامي و ترسيخ ثقافة التعديل الذاتي في وسائل الإعلام السمعي البصري ، إلا أن الافرازات كانت مخالف للتوقعات و عكس تيار ثقافة المسائلة القانونية و التعديل الإعلامي : حيث تم التراجع عن المرتبة الدستورية للهيئة ثم تم تفويض صلاحياتها الانتخابية و التعديلية –صلب اختصاصها- إلى هيئة الانتخابات ثم تهميشها لحد بلوغها مرحلة من التجميد الناعم و الذي ساهم بصفة مباشرة  في خلق أزمة شاملة وعميقة .حيث صارت أحد  أبرز مكوناته في حالة “موت سريري”.

و لعل التراجع على المحافظة على  تماسك بعض المؤسسات و المكونات قد أفضى  إلى امكانية  انهيار النظام الإعلامي:  و هو ما يعد  حالة فريدة من الحالات الاستثنائية التي يمكن أن تعرفها بعض المجتمعات الإنسانية المعاصرة.

تداعيات هذا الاشكال:

ان تأثيرات هذا الاشكال لا تكتفي بإلقاء ظلالها على الإعلاميين و الصحفيين ، بل تتجاوز هذا النطاق لتلامس الشأن العام و الجمهور بصفة مباشرة ..و يتضح ذلك من خلال بعض الدراسات التي أجريت من سنة 2016 إلى 2021 و التي تخلص إلى أن ثقة الشباب التونسي في المؤسسة الأمنية 15 بالمائة  أضحت تقدر بضعف ثقته في وسائل الإعلام بنسبة 7 بالمائة سنة 2021.

 على الجمهور :

النتيجة الأولى: مخاطر التلاعب بالرّأي العام التونسي من أطراف خارجيّة:

تؤكّد العديد من المؤشّرات ومنها مثلا اعترافات شركة ميتا نفسها وتحقيقات أمريكية  أنّ الشبكات الاجتماعية أصبحت تستخدم للتدخّل في الحياة السياسية للدول والتأثير على الرأي العام والتلاعب بالانتخابات.
ومن المشروع القول إنّ تراجع ثقة التونسيين في الصحافة وعزوفهم عن متابعة المصادر الإخبارية المهنية واعتمادهم على الشبكات الاجتماعية للحصول على الأخبار يعزّز من مخاطر تلاعب الأطراف الخارجية بالرأي العام التونسي.

النتيجة الثانية: تنامي التّضليل المعلوماتي

يؤدّي انهيار النظام الإعلامي إلى تعزيز مخاطر استخدام الفاعلين السياسيين للتّضليل المعلوماتي و المعلومات المفبركة لإدارة الصراعات السياسيّة وتعزيز الاستقطاب السياسي وتقسيم المجتمع التونسي بواسطة المعلومات المفبركة.
ويساهم كل هذا، في تعزيز عزوف الناس عن الشأن السياسي والتقليل من شأن الانتخابات.
ويؤدّي التّضليل المعلوماتي إلى تشكيل رأي عام متقلّب تحكمه الأكاذيب والتخوين والمشاعر المخرّبة على غرار الحقد والغضب والذي يتعامل مع قضايا الشأن العام بغير معرفة، ممّا يجعل من العسير جدّا وضع سياسات عموميّة في كلّ مجالات الحياة تحظى بقبول التونسيّين بشكل عقلاني، بمعنى سياسات تراعي الصالح العام.

النتيجة الثالثة: تفكيك المجتمع


يجب أن نهتم الآن بنتائج انهيار النظام الإعلامي على المجتمع وعلى الحياة العامة والسياسية خاصة مع إنتشار ثقافة الضجة الإعلامية  و الرداءة و الإبتذال علاوة على التراجع في انتاج مادة إعلامية ذات جودة ترتقي لعد الإستجابة لتطلعات الشأن العام.


حيث أقصى  الإعلام التونسي إنجازات النّخب الفنية والجامعية والفكرية والجمعياتيّة.
وعندما ينظر المجتمع التونسي إلى نفسه عبر التلفزيون مثلا فإنه لا يرى إلا الوجه الرّديء منه. فغياب البرامج الثقافية التي تشجّع الكتاب والموسيقى والفنون في كلّ القنوات التلفزيونية له نتائج على الذوق العامّ الذي ما انفكّ يتردّى، مما يؤدّي إلى إضعاف قدرات الأفراد والمجتمع على الابتكار والتقدّم.


/على الصحفيين : 

النتيجة الأولى : مشعوذين عوض أطباء 

مع تراجع الدور المؤسساتي و غياب الإطار القانوني المنقح للمرسوم 115 و 116 و عدم التركيز على اطار تشريعي  للصحفيين من أبناء معهد الصحافة و أهل الاختصاص ، أدى هذا إلى تسرب طفيليات لا علاقة لها بمهنة الصحافة في تونس من المجتمع المدني أو من السياسة أو من المحاماة أو من عالم الأعمال أحيانا، يمارسون مهنة التّعليق (في أحيان كثيرة مجّانا).

ما أضحى يفرع المضامين الإعلامية من رسائلها النبيلة و يهدد فرص التشغيل و الظهور للأبناء الشرعيين للقطاع من ناحية ،و افراز محتويات هزيلة و رديئة لا ترتقي لتطلعات الجمهور من ناحية ثانية ، كأن الواقع الإعلامي أضحى في حالة توافد لمشعوذين على حساب أطباء حقيقيين.

في االآونة الأخيرة، أضحى الصحفيّون يُستبدلون بمنتجين من خارج المؤسّسة أو يتمّ تحويلهم إلى منتجين للبرامج الترفيهية. وتشير بعض التقديرات أن كل القنوات التلفزيونية باستثناء القنوات العمومية قد لا يصل العدد الإجمالي للصحفيين القارّين العاملين فيها جميعها إلى 30 صحفيّا.

النتيجة الثانية : التضييقات و الملاحقات على الصحفيين التونسيين : 

مؤخرا قضت محكمة تونسية بالسجن النافذ لمدة 6 أشهر بحقّ الصحفي بوغلاب، ، بعدما أدانته بتهمة التشهير بموظفة عمومية. وفضلا عن بوغلاب، تقبع منذ أشهر الصحفية شذى الحاج مبارك في السجن بتهمة التآمر على أمن الدولة وتبييض الأموال وهي تهم تنفيها الصحفية.

وفي الإجمال، يشير نقيب الصحفيين إن هناك 39 صحفيا يتعرضون لملاحقة قضائية بتهم مختلفة بينها تهم إرهابية خطيرة على غرار الصحفي زياد الهاني بالإضافة إلى الملاحقات القضائية المتواترة سجلت نقابة الصحفيين التونسيين 211 اعتداء أمنيا ضد الصحفيين قبل سنة من الآن.

على جودة الإعلام و حرية التعبير :

في اليوم العالمي للصحافة  3 ماي تقدمت تونس خلال سنة 2024 بـ3 مراتب ضمن التصنيف العالمي لحرية الصحافة لتحتل المرتبة 118 من جملة 180 دولة ضمن هذا التصنيف.

لكن هذا التقدم لا يعني تحسن وضعية حرية الصحافة في تونس، بحسب ممثل منظمة مراسلون بلا حدود في شمال أفريقيا خالد درارني، الذي أكد في مؤتمر صحفي أن “المنظمة لاحظت تأزم حرية الصحافة في تونس من خلال سجن الصحفيين وسن المرسوم 54 الذي أصبح يطبق بصفة عشوائية على الصحفيين كما أن الوضعية  تبدو مقلقة حيث خسرة تونس 24 مرتبة سنة 2023 وفق تعبيره.”.

  نقائص السياسات الحالية و إمكانية التعديل و الإصلاح:

على المستوى المؤسساتي و الهيكلي :

* إرساء الهيئة العليا للإعلام مع ضمانات استقلاليتها و تأسيس مجلس صحافة فاعل و هيكلة تعديل المجال الرقمي : 

عكفت  الهيئـة العليا المستقلة للإتصال السمعي و البصري منـذ سـنة 2015 على  العمـل عـلى إعـداد مـشروع القانـون البديـل للمرسـوم عـدد 116 استنادا للصلاحيات المخولة لها في  الفصــل 19 منــه. ، و قد صيغة الوثيقة بإعتماد صيغة تشاركية ، تم فيها الأخذ بعين الاعتبار آراء المختصين في القانون و الإعلام علاوة على تشريك مختلف الأطراف المتداخلة في مجال الاختصاص، مما لا يترك المجال لعدم الإحاطة بمتطلبات الإعلام و هواجس الصحفيين ، و عليه من الأجدر التدخل لعرض القانون على مجلس النواب الحالي و تفعيل القانون لسد الشغور و إرساء الهيئة العليا للإعلام مع توفير ضمانات  استقلاليتها .

منع الترشح الحر لعضوية مجلس الهيئة بما من شأنه فتح الباب أمام المحاصصة الحزبية و ضرب استقلالية و نجاعة الهيئة و إرساء أعضاء ثابتين من المستقلين و المختصين و المشهود لهم بالكفائة و النزاهة في المهنة  .

توفير ضمانات لدعم عمل الهيئة و تفعيل صلاحياتها  مجددا في المحطات الانتخابية  بعد  تفويضها في الآونة الأخيرة لصالح هيئة الانتخابات .

محاولة تعديل المجال الرقمي من خلال بعث لجنة مختصة للتدقيق في الأخبار الزائفة و  التصدي لتدفقها .

دعم خطة المنسق الإعلامي بكافة المنشآت القانونية عبر الزاميته بالقانون.

العمل على إرساء مجلس صحافة فاعل للتشديد على التمسك بأخلاقيات المهنة.

تشجيع الإعلام الخاص عبر رصد تعريفة رمزية في فاتورات الكهرباء لتشجيع تطوير الصحفيين و المحتويات الإعلامية.

تشجيع عمل المنظمات غير  الحكومية  و الجمعيات المهتمة بالمشهد الإعلامي .

على المستوى التشريعي و القانوني :

تنقيح المرسوم 115 : 

رغم النقلة النوعية في الإطار القانوني المنظم لحرية التعبير،ا أفرز تطبيق المرسوم عدد 115 ثغرات لعلّ أبرز مؤشراتها مواصلة التتبعات الجزائية ضد الصحافيين والمواطنين الناشرين خارج أحكامه. كما ان التطور السريع لعالم الاتصالات وما يشهده من تشاريع تنظيمية جعل المرسوم قاصرا على تأمين حرية التعبير عند ممارستها عبر قنوات الاتصال الرقمي والالكتروني.

حل بعض التطبيقات  التي اتى  جاء بها المرسوم مثال ذلك التضارب الحاصل بين الفصلين 71و75 من المرسوم اذ اقتضى الفصل 71  البت في جريمة النشر الممنوع في اجل اقصاه 15 يوما اما الفصل 75 أكد أن  التصريح بحكم المحكمة في جرائم الشتم والثلب يتم في أجل 15يوما . إن مثل هذا التعارض وذكر أجلين مختلفين كحد أقصى لاصدار الحكم  في الفصل 71 جعل القضاء امام صعوبة تطبيقية تؤدي في غالب الاحيان الى امكانية الطعن في الاحكام طبقا لخرق الاجراءات. 

تنقيح المرسوم116 :

عدم تشتيت فصول المرسوم 116 لما في ذلك من انعكاسات سلبية على مدى نجاعة النصوص و  حسن تطبيقها علاوة على دعم المبادرة التشريعية النيابية الخاصة بمشروع قانون أساسي يتعلق بحرية الاتصال السمعي و البصري كمشروع شامل لقطاع الاعلام .

تضمين قوانين تحرص على تنظيم تفاصيل تطوير جودة الخطاب الإعلامي .

توفير ضمانات  حرية التعبير بالنسبة للمرأة في الاعلام  و تثمين حضورها وعدم  الإكتفاء  بالإشارة لذلك في كلمة المساواة المذكورة في الفقرة الأولى من الفصل الخامس و التي تستدعي تطبيق روح المرسوم.

توفير ضمانات  حرية التعبير و نفاذ ذوات  و ذوي الإعاقة بالمنشآت الإعلامية .

 تخصيص باب   يضبط كيفية  حماية الجمهور من خطابات الكراهية و التحريض التي ممكن أن تعترضه في شبكات التواصل الاجتماعي في ما يخص الصفحات الرسمية لوسائل الإعلام  . 

تخصيص فصول تضبط التناول الإعلامي مع القضايا المنشورة أمام المحاكم.

تعديل المرسوم  54  أو الغاؤه :

في 13 سبتمبر 2022 تم احداث المرسوم 54    و يهدف إلى ضبط الأحكام الرامية إلى التوقّي من الجرائم المتصلة بأنظمة المعلومات والاتصال وزجرها تلك المتعلقة بجمع الأدلة الإلكترونية الخاصة بها. ونظرا للعلاقة بينه و أشكال حرية التعبير، حاولنا الخروج بقراءة نقدية موضوعية لتطورات المحدثة فيه في مجال حرية التعبير و التنقيحات الممكنة فيه. 

تتضح اول مكامن الإختلاف في هذا المرسوم عن سابقه : أن  المرسوم عدد 115  في فصله 11  أكد أن مصادر الصحفي عند قيامه بمهامه ومصادر معلوماته  محمية بالقانون. أما في الفصل 9 من المرسوم 54  فلوكيل الجمهورية أو قاضي التحقيق أو مأموري الضابطة العدلية المأذونين في ذلك كتابيا أن يأمروا: بتمكينهم من البيانات المعلوماتية المخزّنة بنظام، أو حامل معلوماتي ،أو المتعلّقة بحركة اتصالات ،أو بمستعمليها، أو غيرها من البيانات التي من شأنها أن تساعد على كشف الحقيقة. و هنا يكمن وجه التعارض بين الفصلين على مستوى الشروط المستوجبة .

و أقر الفصل 24  من المرسوم عقوبات سالبة للحرية لجريمة نشر الأخبار الزائفة أو إشاعات كاذبة ووضعها في نفس المستوى مع باقي الجرائم مثل الثلب والشتم. دون أن يعرف ماهية الخبر الزائف. فما الفرق بين الخبر الكاذب والبيان الكاذب والإشاعات الكاذبة؟

قد تحيلنا بعض القراءات أن ما ورد في المرسوم 54 يحمل مصطلحات فضفاضة وعقوبات ممكن أن لا تتناسب مع المخالفة كما تفتح الباب أمام العقوبات السالبة. كما يتضمن هذا المرسوم تضييقا على حرية التعبير و حقوق  الصحفيين حيث لاحت تدعياته مع موجة الملاحقات التي طالت كثير من الوجوه الإعلامية ، و هنا يبرز التراجع على المقاربة السابقة التي تعتبر أن التعديل يكون راجع لهيئات مختصة  عبر عقوبات ردعية غير سالبة للحرية.و هذا ما يمكن أن يندرج ضمن التراجع في مجال حرية التعبير.

و بناءا عليه فيمكن 

  • تنقيح المرسوم 54 المتعلق بمكافحة الجرائم المتصلة بأنظمة المعلومات والاتصال خاصة الفصل 24 منه الذي لم يعرف بدقة الأخبار الزائفة و أنواعها و جعل العقوبة ملائمة للمخالفة .
  • اقتراح مشروع قانون تكميلي  يتعلق بالجرائم الإلكترونية تتم مناقشته بطريقة شفافة وتشاركية، وتأخذ بعين الاعتبار توصيات المجتمع المدني.
  • تنقيح قانون حماية المعطيات الشخصية أو سنّ قانون جديد متطابق مع المعايير الدولية والأخذ بتوصيات الهيئة الوطنية لحماية المعطيات الشخصية وتعزيز صلاحياتها ومواردها المالية
  • إحداث هيكل رقابي مستقل ماديا وإداريا يختص بمتابعة العمليات المتعلقة بمعالجة المعطيات الشخصية وسلامة الإجراءات عند معاينة الجرائم الإلكترونية
  • إدراج مادة التربية الرقمية في برامج التعليم الابتدائي وتكثيف العمل على الجانب التوعوي.

ختاما يجب الإشارة أن الأفكار لا جدوى تذكر منها ،إذا لم نكرس لها  مناخا آمنا و ضامنا للتحقيق دون  قيود أو شروط أو هواجس من تبعات انشاء تشريعات على المقاس، لخدمة أطراف سياسية بعينها أو أهداف انتخابية لاحقة ، لأن محاصرة الحق في التعبير و التضييق على هاته الحرية هو وأد لباقي الحريات. و لهذا ممكن أن نختزل الضمانات لإرساء منظومة إعلامية متماسكة و مادة إعلامية تتمتع بالجودة و الإستقلالية عن أصحاب الأعمال و بارونات السياسة  في ثلاث عناصر: أولها ضمانات مؤسساتية و هيكلية تقع على عاتق السلطة الوطنية ثانيها ضمانات استقلالية هاته المؤسسات و حماية صلاحياتها ثالثها الضمانات القانونية و التشريعية و التي تسعى على تعديل مناخ الحرية و مواكبة قطار العولمة   . 

المراجع الببليوغرافية

العودة إلي أعلى