بحث

جار التحميل...
مشاركة

تم إعداد هته الورقة بجهود مشتركة تشارك فيها متخصصون من منصة حلول، بتنسيق من السيدات نجوى بوراوي، هدى مزهود وأريج فرجاني من جمعية حماية البيئة والتنمية المستديمة ببنزرت، والسيد فرج شمك من المعهد الوطني للبحوث الزراعية بتونس. تم تمويل ورقة السياسات من قبل منظمة جنوب جنوب شمال كجزء من المشروع الدولي أصوات من أجل عدالة مناخية.

المقدمة 

لقد أصبحت مشكلة التغير المناخي اليوم القضية الأخطر التي تشغل العالم: فهي تؤثر بشكل كبير على الموارد الطبيعية والطقس مما يحتم على الجميع تصويب نمط سلوكهم نحو التكيف والتأقلم بما يخفف وطأة التطرفات وإعطاء حماية فائقة للفئات الاجتماعية الأكثر ضعفا وعلى رأسهم المرأة الريفية. إن التغييرات المناخية ليست فقط مشكلة بيئية تأتي على جانب الطبيعة وإنما تنتج أثار اجتماعية واقتصادية بالأساس وتعمق الفجوة بين الجنسين وتطرح بشدة مسالة العدالة الاجتماعية. لذلك يجب تسليط الضوء على تأثيرات التغيرات المناخية على المرأة الريفية بصفة خاصة، من خلال محاكاة واقع نساء منطقة أولاد عمر. 

الموارد المائية في الأرياف التونسية: مقاربة تأنيث الصعوبات 

تبرز تحديات الريف بشكل واضح في ظل نقص المياه الناتج عن التغيرات المناخية. يتسبب شح المياه في صعوبات إضافية للنساء الريفيات، اللواتي يقمن بأعباء المنزل وأعمال أخرى خارجه. تظهر قلة المياه تأثيرات سلبية على حياتهن بشكل أكبر.

فقدان الموارد المائية شبح يخيم على الأرياف التونسية 

 لقد ساهمت عديد العوامل في وضعية الأرياف التونسية التي تعاني من الفقر والتهميش والخصاصة مما زاد في اتساع الفجوة بينه وبين الوسط الحضري، لكن تبقى مسألة الازمة المائية وحدها هي الأشد عمقا ووطأة داخل الفئات الاجتماعية المكونة للريف. 

يمكن توصيف وضعية الموارد المائية التي يتسم بها الريف التونسي بأنها أزمة هيكلية ساهم فيها الجانب المناخي للبلاد إذ يتراوح بين شبه جاف وجاف، كما وتتلقى البلاد حوالي 36 مليار متر مكعب من مياه الأمطار سنويا، لكن الكمية التي يمكن تعبئتها والتحكم فيها لا تتجاوز 2.7 مليار متر مكعب من المياه السطحية وحوالي 2.1 مليار متر مكعب من المياه الجوفية أي بمتوسط إجمالي يبلغ 4.8 مليار متر مكعب[1]. إن هذه الإمكانيات ليست حديثة على البلاد التونسية فمنذ عصور حاول سكان هذه المنطقة الجغرافية التأقلم مع حاجياتها. لكن الحديث الذي لم يعتده سكان أرياف تونس هو تعاطي الدولة مع الموارد المائية الذي لم يرتقي للمستوى المطلوب وجوبهت مطالبهم باللامبالاة والتحقير، وغياب المخططات والاستراتيجيات الوطنية الناجعة لمجابهة نقص الموارد المائية. 

إن الأرياف التونسية التي تضم حوالي 29.786% من مجموع سكان البلاد يعاني الأمرين جرّاء تدهور الخدمات المائية وهو المشهد الأكثر وضوحا وتكرارا لكل زائر للريف التونسي[2]، هذا التوصيف جاء كذلك ضمن البيان الختامي لمقرر الأمم المتحدة الخاص بحقوق الإنسان في الحصول على مياه الشرب خلال زيارته لتونس بتاريخ 18 جويلية 2022، والذي أقر أن 650.000 شخص لا يحصلون على المياه في بيوتهم وأغلبهم في المناطق الريفية، وحوالي 300.000 شخص لا يملكون أي مصدر عمومي مهيأ للمياه ويعولون على الينابيع والآبار غير المهيأة[3].

هذه الأرقام تترجم واقع الريف التونسي وحدة الأزمة المائية التي يمر بها وهو ما يحيلنا بالضرورة للتساؤل حول واقع تطبيقات العدالة الاجتماعية خاصة فيما يهم الإطار المؤسساتي المعني بمهمة توزيع المياه. أن التفريق في الإطار المؤسساتي بين الوسط الحضري ونظيره الريفي ساهم بشكل كبير في تأزم الخدمات المائية داخل الريف حيث لم تبلغ نسبة تزويد الوسط الريفي عن طريق الشركة الوطنية لاستغلال وتوزيع المياه سوى 52.7% أي ما يقارب 1.9 مليون ساكن فقط بينما يتزود باقي السكان عن طريق المجامع المائية أي ما يقارب 1.5 مليون ساكن. 

كما ويعتبر مزودا بالماء الصالح للشرب بالوسط الريفي كل مواطن تكون المسافة الفاصلة بين مقر سكناه وأقرب نقطة ماء مهيأة أقل من 500 متر[4]. وعند تطبيق هذه القاعدة نجد أن أغلب سكان الأرياف ليس لديهم نقطة مياه مهيئة نظرا لان منظومة الحنفيات العمومية تخلت عنها الدولة منذ سنوات. علاوة على ذلك فإن الأوساط الريفية التي تتواجد فيها المجامع المائية تتفاقم فيها الإشكاليات نظرا لكثرة المديونية المقدرة ب حوالي 16 مليون دينار في سنة 2019، حيث يوجد ما يقارب 1234 مجمع مائي ناشط أغلبها لا يفي بالشروط القانونية أو الالتزامات المالية تجاه منظوريها[5]. هذا الواقع الذي يكابده سكان الأرياف يتضاعف عديد المرات عندما يرتبط الأمر بالتغييرات المناخية وتأثيرها على الفئة الاجتماعية الأقل ضعفا.

مهمة جلب المياه تثقلها التغييرات المناخية

تشكل المرأة في الوسط الريفي الشريان النابض والمقوم لكل الأعمال المنزلية والخارجية – ومن على دراية بالوسط الريفي يؤكد هذه المقاربة-ومقابل ذلك تكون النساء الريفيات الأكثر عرضة للضرر وهي كذلك الحلقة الأضعف على جميع المستويات الاجتماعية والاقتصادية خاصة، فهي أيضا محاصرة بثقافة ذكورية تغذيها عدة عوامل، فعلى سبيل الذكر فقط سوف نسرد بعض الاحصائيات الخاصة بالمرأة الريفية حيث أنّ 10.3 في المئة من العاملات في الأرياف هنّ ضحايا حوادث الشغل، منهن 21.4 في المئة معرضات لمخاطر حوادث العمل، و62.2 بالمئة يعملن في ظروف صعبة، و18 في المئة يعملن في ظروف صعبة جداً[6]. هذه الإحصائيات نجدها في الوضعية العالية داخل الأرياف التونسية، إذن كيف ستكون وضعية المرأة الريفية في ظل التغيرات المناخية؟ سوف نأتي أولا على مفهوم التغيرات المناخية لتقييم مدى حجم تأثيرها على هؤلاء النساء.

حيث تعرف منظمة الأمم المتحدة تغيير المناخ بأنه التحولات طويلة الأجل في درجات الحرار وأنماط الطقس مع نزعة العنف ومن مظاهرها قلة التساقطات خاصة في بلدان شمال افريقيا مما يؤثر مباشرة على كمية الموارد المائية ومنها على نصيب الفرد[7]. كما يؤثر المناخ المتغير على من هم في وضعية هشة بمخاطره وعنفوانه وذلك لقلة آليات الحماية ولان النساء خاصة الريفيات هم من يتعاملون بصفة مباشرة مع الموارد المائية يتحملون وطأة الصدمات البيئية ويلاحظن دوريا مظاهر هذا التغيير مثل نضوب الابار والعيون وهم من يتحملون أيضا مشقة البحث عن مصادر جديدة للماء عادة ما تكون بعيدة عن مقر سكناهم وخير دليل على ذلك معاناة نساء منطقة أولاد عمر. هذه الحالة تجد صداها ضمن مخرجات زيارة مقرر الأمم المتحدة لتونس الذي جاء فيه توصيف لوضعية النساء داخل الأرياف، أين تمشي النساء لمسافات طويلة للحنفيات والبرك حاملة على ظهورها أوعية المياه. كذلك تأثير تغير المناخ لا يقف على علاقة البحث عن الماء فقط بل له تداعيات أعمق من ذلك ينتج عنها ارتفاع العنف النفسي والجسدي، فالمرأة تتعرض خلال رحلة البحث لشتى أنواع ممارسات العنف والتحرش الجنسي كما أن النمط السلوكي داخل الأرياف يحتم على المرأة الانقطاع عن الدراسة والتفرغ للأعمال المنزلية وكلما احتدت التغييرات المناخية وقلة الموارد المائية زادت معاناة المرأة الريفية. مما دفع بالمنظمات النسوية إلى التنديد بهذه الممارسات ضمن بيان صحفي تحت عنوان ” في اليوم العالمي للمرأة تحتفل بمساهمة النساء والفتيات كمضاعفات للحلول المناخية بتاريخ 08 مارس 2022 الذي جاء فيه أن النساء أكثر عرضة للتأثيرات المناخية من الرجال لأنهن يشكلن أغلبية فقراء العالم ويعتمدون بشكل أكبر على الموارد الطبيعية التي يهددها المناخ أكثر من غيرها[8]. إن هذه التأثيرات نجدها كنموذج وحقيقة واقعية داخل الأرياف التونسية حيث تعتبر نساء منطقة أولا عمر من ولاية سليانة دليل واقعي يترجم جميع المعاناة سالفة الذكر.

انعكاسات التغيرات المناخية على المرأة الريفية

 قد يطول الحديث في انعكاسات التغيرات المناخية على المرأة الريفية على المستوى النظري ولكن دراسة الحالات الواقعية تضفي أكثر شرعية على التنبؤات بالمخاطر والصعوبات لذلك كان لابد من المرور بوضعية نساء منطقة أولاد عمر وإبراز أهم تأثيرات التغيرات المناخية.

نساء منطقة أولاد عمر من واقع العطش

تعيش الأرياف التونسية على واقع معيش صعب تغذيه عدة عوامل اقتصادية واجتماعية وثقافية، لكن تزداد الإشكاليات في منطقة أولاد عمر من عمادة بني حازم بمعتمدية مكثر من ولاية سليانة لغياب الماء الصالح للشرب. ففي هذه المنطقة الريفية يعيش فيها حوالي 22 عائلة أي ما يقارب 100 متساكن وتبعد ما يقارب 7 كيلومترات عن مركز المدينة تتمثل صعوبات هذه المنطقة أساسا في غياب تام للخدمات المائية وعدم وجود لأي مصدر مهيئ للماء سواء عين ماء طبيعية قد بدأت بالنضوب منذ سنوات لتصل إلى حدها الأدنى، مما اضطر بنساء منطقة أولاد عمر لقطع مسافة طويل للوصول إلى نبع ماء أخر وهي عبارة على حفرة محاذية لعين الماء السابقة قامت السلط المحلية بحفرها دون تجهيزها لتبقى نساء أولاد عمر أمام خيار تكبد الصعوبات وقطع المسافات الطويلة من أجل كمية قليلة من الماء الغير صالح للشرب أو خيار الموت عطشا وهو ما جاء على لسان أحدى النساء وهي تروي قساوة المعاناة اليومية خاصة في فصل الشتاء والتي تصف حالة الماء بقولها ” الماء الي نشربوا فيه شطر ماء وشطر تراب”[9].

كل هذه المعاناة التي تخوضها نساء أولاد عمر من أجل 10 لترات من الماء يتقاسمونها فيما بينهم. كذلك هؤلاء النسوة لا تستطيع التنقل يوما إلى مناطق أبعد من حدود تلك الحفرة نظرا لغياب وسائل النقل ووعر الطريق الغير معبدة وهو ما يزيد من شعور النساء بالعزلة عن كافة مرافق الحياة والإحساس بالغبن الاجتماعي. 

مقابل هذه الوضعية تتعامل السلطات المحلية والجهوية تجاه مطالب منطقة أولاد عمر بالوعود والمماطلة لتبقى نسائها تحارب آثار تطرفات المناخ وهو ما يؤكد أن النساء تكون في الصدارة للدفاع عن القضايا البيئية وأنهم أكثر اسهاما في مواجهة التغير المناخي والقضية ذات الأولوية بالنسبة لهم، انهم على استعداد لخوض المعارك بأكثر شراسة من الرجال. 

الهجرة المناخية أولى خيارات نساء منطقة أولاد عمر

إن مصطلح الهجرة المناخية كان حاضرا بشدة في حديث نساء منطقة أولاد عمر، وإنه لم يعد يوجد سبب للبقاء في هذه القرية، هذا القول يأتي في إطار أن الماء كان ولا يزال محدد لاستقرار الإنسان والرابط الذي يعزز انتماء الشخص بالرقعة الجغرافية التي ترعرع فيها. فعندما يغيب الماء أو ينقطع، تنقطع معه كل مقومات الاستقرار ويصبح التفكير في المغادرة والانتقال إلى مكان آخر هاجس لا يفارق الاذهان هكذا كانت تصف نساء منطقة أولاد عمر مبررات التفكير في الهجرة. 

لا شك أن الهجرة سواء كانت داخلية أو خارجية هي من أخطر نتائج التغيرات المناخية خاصة عندما يتعلق الأمر بالنساء والأطفال، هذا وتأتي الهجرة المناخية ضمن السياق العالمي وهي من الأمور التي تثير القلق خاصة في البلدان النامية باعتبارها غير قادرة على احتواء هذه الظاهرة. وقد عرفت المنظمة الدولية للهجرة منذ سنة 2007 أن الهجرة المناخية هي أفراد أو مجموعات تختار أو تضطر بسبب التغييرات المناخية مغادرة بيئتها المعتادة إلى أخرى داخلية أو خارجية لأسباب تتعلق بالتغير المفاجئ أو التدريجي في المناخ بشكل دائم أو مؤقت[10]. كما أضافت عدة تقارير دولية أن تغيير المناخ هو أحد عوامل الهجرة التي تزداد بقوة والتي ستجبر سكان العالم على الارتحال ومن المتوقع أن يهجر حوالي 216 مليون شخص بحلول 2050 وقد تشهد منطقة شمال إفريقيا حوالي 19 مليون مهاجر. هذه التوقعات بدأت تتشكل داخل الأرياف التونسية بسبب نقص الموارد المائية وخاصة منطقة أولاد عمر التي تعتبر النموذج في التأثير السلبي للمناخ وهو ما جعل الصندوق النقد الدولي يضع البلاد التونسية من ضمن الدول المهددة بالهجرة الداخلية[11].

وأمام هذه الوضعية يبقى التساؤل مطروحا حول مدى تدخل هياكل الدولة للحد من هذه الظاهرة والعمل على حوكمتها، إن مصطلح الهجرة المناخية رغم قدم التعامل به لم يكن حاضرا في أذهان مسؤولي الدولة وتتلخص مبررات الهجرة لديهم في الأسباب الاقتصادية والاجتماعية وأن الهجرة من الريف إلى المدينة مقيدة بالأسباب الكلاسيكية على غرار الفقر والتهميش كما أنهم لم يستوعبوا إلى حد الآن حجم المخاطر وما يمكن أن تسببه الهجرة المناخية. 

مقاربة المرأة الريفية في مواجهة التغيرات المناخية خارج حسابات الدولة

إن تطرفات التغييرات المناخية شديدة الوطأة على جميع الفئات الاجتماعية وبصفة أخص المرأة الريفية ووجود هياكل الدولة ضمن هذه المعادلة يجب أن يكون حاسما وأن تعي الدولة بأن تضافر الجهود وادماج المرأة ضمن المخططات هو الحل الأمثل.

مخططات قصيرة المدى تقصي النوع الاجتماعي

إن مسألة نقص المياه في البلاد التونسية ليست حديثة العهد خاصة داخل الأرياف، وقد اعتمدت الدولة سياسة تعبئة الموارد المائية منذ بداية سبعينات القرن الماضي لتلبية حاجات مختلف القطاعات الاقتصادية والفلاحية. لكن جل هذه السياسات كانت تنبني وفق للمعادلات الاقتصادية وتعنى بالكميات المائية فقط ويغيب عنها كل ما هو اجتماعي. حيث تميزت المراحل الأولى من مخططات الدولة على بناء السدود، ثم المخطط الخامس للتنمية الاقتصادية والاجتماعية (1977 – 1981) وصولا إلى الخطة العشرية لتعبئة الموارد المائية (1990 -2000) والثانية (2002-2011)[12]، جميع هذه المخططات طغى عليها الجانب التقني وسعت الدولة من خلالها للتحكم في الكميات المائية دون الأخذ بعين الاعتبار المتعاملين والمستخدمين للموارد المائية وعلى رأسهم المرأة الريفية التي في ارتباط مباشر مع هذه الخدمات. رغم أن البلاد التونسية كانت سباقة في الإمضاء على اتفاقية التمييز ضد المرأة لسنة 1979[13] والتي تحتم على الدول الأطراف اتخاذ التدابير اللازمة من أجل القضاء على النمطية الجنسانية في المجالات الخاص والعامة، إلا أن هذا التمشي لم يشمل المنظومة المائية وبقي النوع الاجتماعي خارج دائرة هذه الاتفاقية من وجهة نظر السياسات التونسية. واقتصر دور المرأة في تأثيث المحافل الوطنية المنادية بالمساواة بين الجنسين. 

وبذلك ظلت المرأة التونسية تكابد صعوبات الخدمات المائية وتواصلت هذه السياسة عندما أفاقت الدولة على خطر تطرفات التغييرات المناخية وشرعت بعض المؤسسات التابعة للدولة في السنوات القليلة الماضية في إنجاز بعض المخططات والدراسات والتي كان أهمها وزارة الفلاحة والموارد المائية والصيد البحري والمعهد الوطني للرصد الجوي الذي أفرز عمله على ما يقارب 14 نموذجا مناخيا إقليميا[14]، لم يعتمد أي نموذج منهم على مقاربة النوع الاجتماعي. كذلك استراتيجية الماء تونس أفق 2050 والتي بصدد الإنجاز لم تكرس حقوق النساء وخاصة المرأة الريفية في كيفية مواجهة التغيرات المناخية ولم تأتي كذلك على نوع الحماية لهم. الإطار التشريعي المنظم للموارد المائية هوا الآخر لم يضمن أي حماية سواء في مجلة المياه لسنة 1975 أو مجموعة مشاريع القوانين التي بصدد الإنجاز. 

غياب الأطر الفعلية لإدماج النوع الاجتماعي في ظل التغيرات المناخية 

على غرار إقصاء المرأة من أغلب المخططات والاستراتيجيات المنظومة المائية رغم مجال تدخلها المؤثر في عملية الخدمات المائية وفي مواجهة التغيرات المناخية فإن غياب الأطر والهياكل الفعلية لدمج المرأة يشكل عائقا في التصدي للتغيرات المناخية. لأنه لا يمكن ضمان حماية للنساء من الآثار السلبية لتغير المناخ دون هيكل تحت إشراف الدولة، مبرر ذلك أن تأثير التغييرات المناخية تمتد ويتفاقم معها العنف الجسدي والنفسي وكذلك الاقتصادي كما يمكن للمجتمع أن يحاول التكييف مع الكوارث المناخية عبر ممارسات عنيفة ضد المرأة، كذلك يمكن أن يتسبب في تخلف الكثير من الفتيات عن مقاعد الدراسة أو عدم الانتظام فيها مما يضاعف الفجوة بين الجنسين خاصة في الوسط الريفي وبذلك يتعرضن أكثر للتهميش والفقر. حيث يرى علم الاجتماع والبيئة أن التغير المناخي يؤثر بشكل أشد وطأة على الفئات الاجتماعية الأكثر ضعفا وفي مقدمتها النساء فان من الضروري رصد تكلفة للحد من تداعيات المناخ للنوع الاجتماعي وإعطاء الحرص الشديد من أجل مكافحة الأضرار التي يمكن أن تلحق بالنساء عند مواجهة تطرف المناخ والعمل أكثر على الشمول والمساواة بين الجنسين من خلال الدمج الحقيقي للمرأة وحمايتها داخل الأطر والهياكل التي تعنى بالتغييرات المناخية وإعمال مقتضيات المادة 7 من اتفاق باريس للمناخ التي تنص على أن ” تسلم الأطراف بأن إجراءات التكيف ينبغي أن تتبع نهجا قطري التوجه يراعي قضايا الجنسانية ويقوم على المشاركة ويتسم بالشفافية الكاملة[15].

التوصيات

انطلاقا من حقيقة واقع التغيرات المناخية وتأثيرها على المرأة بصفة خاصة ومحاكاة معاناة نساء منطقة أولاد عمر سوف نسلط الضوء على بعض التوصيات الخاصة بمنطقة أولاد عمر خاصة وأخرى تهم المرأة الريفية في ظل مواجهة التغيرات المناخية بصفة عامة. 

على وزارة الفلاحة والموارد المائية والصيد البحري والشركة الوطنية لاستغلال وتوزيع المياهز

  •  العمل بفعالية على حل مشكلة نقص الماء الصالح للشرب في منطقة أولاد عمر، وذلك من خلال توفير صهاريج مائية ومتابعة فعالة للحفاظ على نقاوتها.
  •  التسريع في إجراء دراسة مشروع ربط منطقة أولاد عمر لتحسين ظروف الحياة وتخفيف معاناة النساء داخلها.
  • التفكير في حل العزلة الجغرافية من خلال تحسين وتهيئة الطريق الغابي لتسهيل الوصول إلى المدينة.

على السلطة التنفيذية وأعضاء مجلس نواب الشعب ووزير الفلاحة:

  •  تعزيز مشاركة المرأة الريفية في وضع استراتيجيات مكافحة التغيرات المناخية وضمان تمثيلها بشكل فعّال.
  •  إنشاء صندوق خاص لحماية النساء ضحايا التغييرات المناخية لتوفير الدعم اللازم.
  •  وضع مخطط استراتيجي لتقليل آثار الهجرة الناجمة عن التغيرات المناخية.
  •  تشجيع التشريعات الحمائية للمرأة الريفية، ودمج مفهوم المساواة بين الجنسين في جميع القرارات والقوانين المتعلقة بالتغيرات المناخية.

تتضمن هذه التوصيات إجراءات فعّالة تستند إلى الواقع المحلي وتستهدف تحسين ظروف حياة المرأة الريفية ومواجهتها لتحديات التغيرات المناخية. يُشجع على التفاعل مع الجهات المعنية وضمان تنفيذ هذه التوصيات بشكل شامل

[1]   عبد الكريم داود، خمسون سنة من سياسات إدارة الموارد المائية في البلاد التونسية: من إدارة العرض إلى الإنصاف الترابي، مجلة حكامة، عدد3، سبتمبر 2021، ص 10.[2] بيانات البنك الدولي، https://data.albankaldawli.org/indicator/SP.RUR.TOTL.ZS?locations=TN [3]  بيدرو أروخو – أغودو، بيان نهاية مهمة مقرر الأمم المتحدة الخاص المعني بحقوق الإنسان في الحصول على مياه الشرب المامونة وخدمات الصرف الصحي،  https://www.ohchr.org/sites/default/files/documents/issues/water/visits/tunisia/2022-07-29/EndofVisitStatement-Tunisia_July2022_AR.pdf [4]   جمال العبيدي، تونس: التضامن الوطني لتأمين التزود بالماء الصالح للشرب بالوسط الريفي، https://ar.leaders.com.tn/article/6274-%D8%AA%  [5]   تقرير محكمة المحاسبات، 21 فيفري 2021، http://www.courdescomptes.nat.tn/Ar [6]   فاتن مبروك، المرأة الريفية في تونس: العمل غير المهيكل ومعضلة التأنيث https://assafirarabi.com/ar/29156/2020/02/16/% [7]   منظمة الأمم المتحدة، ما هو تغير المناخ؟ https://www.un.org/ar/climatechange/what-is-climate-change#:~:text . [8]   بيان صحفي، في اليوم الدولي للمرأة نحتفل بمساهمة النساء والفتيات ك ُمضا ِعفا ٍت للحلول المناخية بتاريخ 08 مارس 2022. [9]  بيان المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية بتاريخ 23 أوت 2023 https://ftdes.net/ar/العربية-بيان-في-2023-أهالي-أولاد-عمر- [10]” التغير المناخي”,  https://www.aljazeera.net/encyclopedia/2015/12/14[11]   ايمان الحامدي، تونس: هجرة داخلية لأسباب مناخية، https://www.alaraby.co.uk/society  [12]   عبد الكريم داود، خمسون سنة من سياسات إدارة الموارد المائية في البلاد التونسية: من إدارة العرض إلى الإنصاف الترابي، مجلة حكامة، العدد 3، سبتمبر 2021[13] Climate Change, National Institute of Meteorology,https://www.meteo.tn/ar/changement-climatique [14] “Climate Change and the Suffering of Women: Reality and Causes.” https://draya-eg.org/2022/11/07

المراجع الببليوغرافية
المساهم

رامي بنعلي

رامي بنعلي مختص في القانون الخاص وباحث في السياسات المائية و الفلاحية.

العودة إلي أعلى