ملخّص تنفيذي
إنّ فيروس نقص المناعة البشري في تونس يتركّز أساسا لدى فئات اجتماعيّة هشّة تتوجّه إليهم الاستراتيجيّات الوطنيّة لمكافحة الفيروس بالدّعم و الارشاد. ومحاولة نبذ كلّ أشكال العنف المسلّط عليهم أو الوصم الذّي يلاحقهم في إطار تدعيم ثقافة حقوق الإنسان في المجتمع التّونسي. غير أنّ الاستراتيجية قد تكون محدودة النّتائج إن لم تكن شاملة و تضمّ من بين عناصرها التّوعية وزارة التّربية. فهذه الوزارة تمثّل حجر الأساس في عمليّة الوقاية. و من هذا المنطلق تقترح هذه الورقة جملة من التّوصيات التّي تمكّن وزارة التّربية من تنشئة المتعلّمين وفق تربية جنسيّة قويمة تحميهم من الاصابة بالفيروس أو نقله. كما تلفت انتباههم إلى واقع الفئات الهشّة و تُسلّحهم بالآليّات العلميّة الكفيلة بتوعية المُتعلّم التّونسي بالرّهانات الصحيّة و الحقوقيّة التّي تواجهه هذه الفئات.
مقدّمة
-يمثّل الوسط المدرسي فرصة لتنشئة المتعلّمين منذ سنّ مبكّرة على التوقّي من أخطار فيروس نقص المناعة البشريّ و التّحسيس بالظّروف الاجتماعيّة و الاقتصاديّة للفئات الأكثر عرضة إليه و هم, الرّجال ممارسي الجنس مع الرّجال, حاقنو المخدّرات, عاملات الجنس و المهاجرين غير النّظاميّين. و من خلالها إلى المسائل المتعلّقة بحقّ الولوج إلى خدمات الرّعاية و الصحّة. بالإضافة إلى التّفكير بشكل منطقي علمي في سبل وقاية و علاج الظّاهرة ضمن حلقات نقاش يديرها طرف مطّلع. و بالتّالي تحقيق هدف تعليمي و تربوي في آن. ما يعدّ تفعيلا للقوانين الدّستوريّة و التّشريعيّة[1] و وفاء بالالتزامات الدوليّة في إطار تحسين جودة التّعليم و انخراطه في التّحديّات الطبيّة و الاجتماعيّة التّي تجابهها الدّولة. و من المهمّ حكمة أن يكون التدخّل حينيّا نظرا إلى توسّع خارطة مستهلكي المخدّرات بعد الثّورة[2] و غياب الإطار القانوني المنظّم لمهنة عاملات الجنس. فضلا عن التّمييز المستمرّ ضدّ الرّجال ممارسي الجنس مع الرّجال و جميع المغالطات المتعلّقة بهذه المواضيع. و أمام ضعف امكانيّات الدّولة تعدّ المقاربة التّعليميّة التّوعويّة بالغة الأهميّة للحدّ من أضرار مستقبليّة محتملة.
ضعف المقاربة التّوعويّة في المؤسّسات التّربويّة
ضعف التّربية الجنسيّة للتّلميذ التّونسي و انتشار ثقافة الوصم الاجتماعي
صرّحت السيّدة “لمياء بن حسين” المسؤولة عن التّواصل و التّنسيق في إطار برنامج الصّندوق العالمي لمكافحة الإيدز و السلّ و المالاريا ضمن الدّيوان الوطني للأسرة و العمران, أنّ الاحصائيّات كشفت معدّل عمر التّونسي حين قيامه بأوّل علاقة جنسيّة. و ذلك عند سنّ الخامسة عشر[3]. و بالنّظر إلى هذه السنّ المبكّرة, يعدّ غياب ثقافة جنسيّة مسبقة تمكّن التّلميذ المراهق من التعرّف على جسده بشكل علمي انذارا خطيرا بالسّقوط في إحدى مزالق الأمراض المنقولة جنسيّا. إضافة إلى ما سبق, إنّ ما تبيّنه الأرقام الرّسميّة و غيرها الصّادرة عن المنظّمات الحقوقيّة[4] من استشراء العنف و ثقافة الوصم بالوسط المدرسي و بالمجتمع التّونسي دليل على قصور المؤسّسة التّربويّة عن امتصاص أشكال الانحرافات السّلوكيّة و توفير محيط آمن للتّلاميذ و تدريبهم على نبذ العنف كمواطنين فاعلين في المجتمع[5].
غياب استراتيجيّة تشاركيّة مع وزارة الصحّة و المجتمع المدني
إنّ العدوى على المستوى السكّاني العامّ تظلّ ضئيلة مقارنة بتركّزها بالفئات المفاتيح (الرّجال ممارسو الجنس مع الرّجال/عاملي وعاملات الجنس/ حاقنو المخدّرات…). فحسب تقرير أعدّته الجمعيّة التّونسيّة للصحّة الانجابيّة ” آليّة عمليّة للتّوثيق, المتابعة و الإعلام حول الحقوق الجنسيّة و الإنجابيّة بتونس”[6] ذكرت أنّ 10% من الرّجال ممارسي الجنس مع الرّجال حاملون للفيروس وهو معدّل ضئيل مقارنة بالوصم الأخلاقي الذّي تعاني منه هذه الفئة و التّتبّعات القانونيّة المنجرّة عنه. و هذا دليل على أن توجيه الاستراتيجيّات الوطنيّة لمكافحة السّيدا بشكل أساسي إلى الفئات الهشّة خيار غير ناجع.
لذى فان تشريك المؤسّسة التّربويّة من شأنه أن يكون حلا استباقيا لوقاية أكثر شمولية. في المقابل لا تتطرّق البرامج المدرسيّة إلى هذا المشكل و تعتمد إحصائيات التّعداد السّكاني العامّ غير محينة منذ صدور الكتب فلا تسمح للتّلميذ بالتّعرّف على الأوجه الحقيقيّة لظاهرة السّيدا في المجتمع التّونسي. كما أن البرامج المدرسيّة لازالت تؤكّد انعدام الأدوية أو اللّقاحات المخصّصة للفيروس رغم تعدّد التّجارب السريّريّة النّاجحة في عديد الدّول (فرنسا مثلا) و تصنيع أدوية تعمل على وقف انتشار المرض بالجسم (و هي أدوية معتمدة بنجاح في تونس لدى المتعايشين مع الفيروس).
تعد ندرة التّظاهرات التّحسيسيّة في المؤسسة التربوية مظهرا من مظاهر غياب استراتيجيّة مكافحة السيدا والذي يعود أساسا إلى العجز في ميزانية وزارة التعليم. حيث تغطّي ميزانيّة وزارة التّربية في معظمها نفقات التأجير, إذ بالعودة إلى قانوني الماليّة لسنتي 2017 و 2021 تبلغ نفقات التّأجير تباعا 93 بالمائة و 89 بالمائة. ما لا يمكنّ الوزارة و أغلب المؤسّسات التّربويّة من تخصيص اعتمادات لتنظيم تظاهرات صحيّة أو الانخراط ضمن حملة وطنيّة شاملة لمقاومة الفيروس إذا ما اعتمدت فقط على الأموال العامّة المرصودة إليها.
النّتائج المنجرة
اضعاف الاستراتيجيّة الوطنيّة العامّة لمكافحة الفيروس التّي تقودها وزارة الصحّة
– إنّ الاعتقاد السّائد بأنّ فيروس السّيدا يمثّل اشكالا صحيّا تُعنى به وزارة الصّحة فحسب يمثّل مقاربة تقليديّة وغير ناجعة في مكافحة الفيروس. ذلك أنّه يُعتبر تحديّا طبيّا, اقتصاديّا, اجتماعيّا و تعليميّا ثقافيّا كذلك. إزاء النّظرة الضيّقة المُختصرة في التّعامل مع الظّاهرة, يُلقى على عاتق وزارة الصحّة واجبا الوقاية و العلاج معا. ما يثقل كاهلها نظرا إلى الصّعوبات الماليّة و اللّوجستيّة التّي تمرّ بها خاصّة بعد جائحة كورونا التّي أبرزت مواطن ضعف المنظومة الصحيّة[8]. كما نبّه البنك الدوّلي في تقرير صادر سنة 2003 من أنّ غياب مقاربة توعويّة شاملة, مسح منتظم و نتائج معلنة سيكلّف بلدان الشّرق الأوسط و شمال إفريقيا ثلث اجمالي النّاتج المحليّ (لسنة 2003[9]) بحلول 2050.
تنامي العنف في الأوساط المدرسيّة
-خطر استشراء العنف المادّي و المعنوي ضدّ الفئات الهشّة الحاملة للفيروس أو محيطهم بالوسط المدرسي و كنتيجة محتملة لاحقة بالمجتمع تهديد حقيقيّ. ذلك بسبب الثّقة المفرطة في النّمط الثّقافي و الاجتماعي للبلاد[10] و هي إحدى العوامل الاجتماعيّة التّي تُؤخذ بعين الاعتبار لفهم الصدّ و التّمييز المستمرّين ضدّ حاملي الفيروس.
تدعيم استراتيجيات مكافحة السيدا تبدأ من المؤسّسة التّربويّة
الانطلاق من المكتسبات التّونسيّة و الاستئناس بالتّجارب المقارنة
-في سنة 2003 تمّ بعث مشروع تجريبيّ للشّباب يقوم على الارشاد و التّوعية و اجراء فحوص سريّة و مجانيّة وقد آتت التّجربة أكلها بتوفير قاعدة بيانات دقيقة و التأكّد من تركزّ الفيروس ضمن فئات محدّدة الأكثر هشاشة.
– في فترتي 2004/2005 و 2006/2011 برعاية من برنامج الأمم المتحدّة المشترك لفيروس نقص المناعة البشريّة. تمّ اعداد استراتيجيا وطنيّة لمكافحة الفيروس و تكثيف عدد مراكز المسح التّي بلغ عددها29 مركزا سنة 2020 موزّعة على مختلف مناطق الجمهوريّة.
-كما يجدر ذكر تجربة سابقة في ميدان التّعليم, سنة 2004 قامت جميعيّة ‘المثقفون الأقران'[11] بحلقات نقاش مكثّفة مع تلامذة المعاهد الاعداديّة و الثانويّة و التفطّن إلى أنّ الشاب التونسي يخوض الحياة الجنسيّة منذ سنّ 15 ما استوجب تغيير المقاربة التوعويّة بخصوص فيروس فقدان المناعة البشري.
– بين 2016/2018اعداد خطّة استراتيجيّة وطنيّة لمكافحة السّيدا مع الحصول على تمويل أجنبي يمتدّ على 2019/2021 يتضمّن قسم التصدّي إلى السّيدا في كنف احترام حقوق الإنسان. و هي فرصة متميّزة لمختلف مؤسّسات الدّولة و من ضمنها وزارة التّربية و التّعليم لمراجعة مقاربتها المعتمدة في التّعامل مع الفيروس و تقويمها بما يتناسب و المبادئ الدّيمقراطيّة التّي نسعى إلى ترسيخها [12].
التّجارب المقارنة
بتسوانا و هي بلاد افريقيّة محدودة الدّخل بلغت نسبة الاصابات ضمن البالغين فيه (15 إلى 49 سنة) 22بالمائة سنة 2013. حينما تمّ إدماج مادّة التربية الجنسيّة و الحول قدر الإمكان دون مغادرة المعاهد الثناويّة, تمّ التّقليص في نسبة الإصابة لدى الذّكور ب8 بالمائة و لدى الإناث ب12% [13].
تنزانيا في 2013 اعتمدت ترسيخ التّوعية المدرسيّة ضدّ الفيروس في صفوف تلاميذ المرحلة الابتدائيّة ببرامج معمّقة تتّصل بالسّيدا. بالإضافة إلى انشاء 28 نادي صحّة و تدريب 113 معلّم و مرشد اجتماعي على تقديم هذه البرامج. كما توخّت طريقة peer education ” أي حلقات منتظمة يديرها مجموعة من التّلاميذ يتقمّصون دور الأستاذ و يشرّكون زملاءهم في البحث عن المعلومة. و قد لاقىت التّجربة نجاحا إذ تعلّم الأطفال بطرق سهلة مسليّة سبل التوقّي من الفيروس. كما سارعت الجمعيّات المحليّة بدعم جهود الدّولة و تقديم خبراتها العلميّة و المشاركتة بورشات دوريّة مع الأطفال ضمن نوادي الصحّة[14].
المغرب بلد شمال افريقي يقارب الدّولة التّونسيّة في عدد الاصابات. قام فرع المنظمة الافريقية لمكافحة السيدا بالمغرب بتظاهرات توعيّة بالوسط التّربوي إلّا أنّها كانت محدودة النّتائج حسب رئيسة المنظّمة بسبب غياب توعية قارّة ضمن برناج التّربية الجنسيّة[15].
تحيين البرامج المدرسيّة و إدماج مادّة التّربية الجنسيّة
يتمّ هذا التّحيين من خلال استعاب التّطورات العلميّة الطبيّة الحاصلة في مجال مكافحة السيّدا و ربطها بثقافة حقوق الإنسان الكونيّة التّي تسعى الدّولة التّونسيّة و مؤسّساتها التّربويّة إلى ترسيخها في النّاشئة ضمن سياق عالميّ يضمن جودة التّكوين و التّربية على ثقافة حقوقيّة. ما يسمو بمرتبة التّعليم التّونسي عالميّا و يعدّ تطبيقا للدّستور و التّشريعات النّافذة في ميدان التّعليم. كما يعتبر التّحيين خطوة أولى للإصلاح و ضمانا لجودة التّعليم في مبادئ المدارس العموميّة. لذلك يكون ملفّ التّعليم حارقا في كلّ موسم انتخابيّ و لا سيّما في الأخير, إذ تعهّد المرشّح الفائز بالإنتخابات الرّئاسيّة “قيس سعيّد” على إرساء مجلس أعلى للتّربية يضمن جودته و الرقيّ به. لذا فإنّ أيّ محاولة للإصلاح محمودة و مطلوبة سواء شعبيّا أو سياسيّا [16].
كما أنّ التطرّق إلى الدّور الهامّ للمؤسّسة التّربويّة في إطار مكافحة الفيروس نابع من أهميّة دور التّعليم في تهذيب النّاشئة على ثقافة جنسيّة صحيّة تواكب حقوق الإنسان و تضطلع بدور استباقي من خلال التّوعية لتلافي حالات مرضيّة لاحقا. لا سيّما أنّ عديد النّصوص الدوليّة أبرزها “دليل الارشادات التّقنيّة الدوليّة بشأن التّربية الجنسيّة.” الصّادر عن “اليونسكو” في 2018 يؤكّد على أهميّة تدريس مادّة التّربية الجنسيّة و اعتبارها تقي النشاط الجنسي من السلوكيات الجنسية المحفوفة بالمخاطر و تساهم في تخفيض معدّلات الإصابة بالأمراض المنقولة عن طريق الاتصال الجنسي أو فيروس نقص المناعة البشرية[17].
يمكن تدريس مادّة التّربية الجنسيّة طوال السّنة مرّة في مرحلة التّعليم الاعدادي و أخرى بالثّانوي. و يشرف على المادّة أساتذة علوم الأحياء أو أطبّاء متطوّعون. و يمكن أن تتعلّق امتحانات مادّة التّربية الجنسيّة بعمل ميداني ينخرط فيه التّلاميذ. كأن تتمّ زيارة أحد المستشفيات المختصّة في علاج مدمني الحقن أو المُتكفّلة بمرضى السّيدا ثمّ يقدّمون عرضا أو تقريرا في الغرض.
إنّ تضمين مادّة التّربية الجنسيّة حسب المعايير العلميّة الدوليّة ستساهم في تثقيف التّلميذ التّونسي و حمايته من خطر اكتشاف حياته الجنسيّة بشكل اعتباطيّ أو خطير. كما لا توجد حاجة إلى انتداب مدرّسين جدد في الغرض لأنّ أساتذة علوم الأحياء لهم تكوين أكاديميّ يخوّلهم تدريس المادّة. و يمكن أيضا الاستعانة بأطبّاء محليّين متطوّعين تختارهم المندوبيّات الجهويّة.
و لئن كان تضمين مادّة جديدة قد يزيد إطالة الزّمن المدرسي غير أنّ الفائدة التّي تُجنى من وراءها خلال سنتين فقط تحتمل إضافة ساعة أو إثنتان إلى الزّمن المدرسي.
بالإضافة إلى ما سبق يمكن التطرّق إلى الحياة الجنسيّة السّليمة الخالية من الأمراض ضمن برنامج التّنشئة الدّينيّة. و ذلك لدحض الاعتقاد السّائد بتعارض الدّين و النّقاش حول الجنس بطريقة علميّة توعويّة. رغم الاضطرار إلى تنظيم دورات تكونيّة لبعض مدرّسي التّربية الإسلاميّة لتحقيق الموازنة بين الأدلّة الدّينيّة و العلمييّة.
التوعية في سنّ مبكّر
أوّل اكتشاف للتّلميذ التّونسي محور الأمراض المنقولة جنسيّا و خطورة مرض السّيدا تكون في نهاية السّنة التّاسعة أساسي. أي وهو في سنّ المراهقة (14/15/16) سنة. وهيسنّ متأخّرة نظرا لامكانيّة الانزلاق في إحدى مسالك الإصابة أو العدوى قبل ذلك بكثير.
و قد تمّ التّفكير في تدريس التّربية الجنسيّة لفائدة تلاميذ الخمس سنوات إلى الخامسة عشر سنة لتمكينهم من توعية مبكّرة سنة 2019 .إلّا أنّ المخطّط لم يفعّل عمليّا لسببين هما, عدم التّفهّم المجتمعي لسياسة الدّولة و صرف الجهود إلى محاربة فيروس كورونا الذّي قلب الموازنات العموميّة في تونس منذ 2020 [18].
و عليه يمكن تثقيف تلامذة الابتدائي بخطورة فيروس نقص المناعة البشري خلال حملات التّلاقيح الإجباري التّي تجرى بالمدارس خلال السّنة الأولى و السّنة الرّابعة مثلا.
يمثّل هذا البديل خطوة استباقيّة للتّوعية منذ التّعليم الابتدائي دون تكاليف ماديّة. إذ أنّ اعتمادات حملات التّلقيح الإجباري بالمدارس مرصودة. كما يتمّ تجنّب اثقال أطفال الابتدائي بمعلومات مدرسيّة تدخل في إطار الحفظ للامتحانات.
قد يتعلّل بعض المعارضين بفقدان حيّز من الزمّن الدراسيّ بسبب تقديم الأطبّاء نصائحهم التّوعويّة بخصوص مرض السّيدا. غير أنّه وقت مستقطع بطبيعته لاجراء التّلاقيح الاجباريّة للأطفال.
الاحاطة النفسيّة
إنّ الموارد البشريّة التّي تزخر بها المؤسّسة التّربويّة من خلايا اصغاء, تهتمّ بمساعدة التّلاميذ على تجاوز تحدّياتهم النّفسيّة المتعلقّة بهم أو بذويهم و محيطهم قادرة على تقديم المشورة النّفسيّة لكلّ من عانى من الوصم و التّمييز داخل الوسط المدرسي و تنظيم حلقات دوريّة لنبذ العنف تجاه مرضى السّيدا أو أيّ تلامذة يعانون صعوبات جسديّة أو نفسيّة. و بذلك نضمن اقتناع التّلاميذ بضرورة تمتّعهم بصحّة نفسيّة متّزنة و تدعيم أسلوب الحوار داخل الوسط المدرسي.
كما يمكن أن تنخراط كامل أطراف العمليّة التّربويّة في تأمين الوسط المدرسي من مخاطر ترويج المخدّرات و محاولة منح فرص انهاء التّعليم لجميع التّلاميذ و احتضان أبناء و بنات الفئات الاجتماعيّة الهشّة و تمكينهم من فرص حقيقيّة لاتمام تعليمهم و تقويم سلوكهم حذر الانزلاق في مهالك المخدّرات أو الالتجاء إلى العمل في مجال الجنس حينما يطردون من مقاعد الدّراسة و يفقدون الأمل في توفير التّعليم مصعدا اجتماعيّا لهم[19]. على الرّغم من أنّ زاوية النّظر “البرغماتيّة” البحتة تشير إلى أنّ كلفة التّلميذ التّونسي في المرحلة الاعداديّة و الثّانويّة (حسب دراسة أعدّها المنتدى التّونسي للحقوق الاجتماعيّة و الاقتصاديّة سنة2019)[20] تفوق كلفة تدريسهم على حساب الدّولة 3 آلاف دينار للتّلميذ الواحد. فهي بالتّالي باهضة بالنّسبة إلى الوزارة لكنّ مواصلة التعلّم تقي مخاطر اجتماعيّة و اقتصاديّة أكثر فداحة في حال الطّرد. إذ أثبتت دراسة علميّة أمريكيّة صادرة في 2015 أنّ “التّعليم الثّانوي يحمي المراهقين من الإيدز”[21]. باعتباره فعالاً في خفض خطر السّيدا من خلال استهداف فترة حرجة من عمر الإنسان وهي مرحلة المراهقة. بالإضافة إلى أنّ أن المعلومات عن طرق الوقاية ومهارات التفكير المكتسبة في المدرسة، تلعب دورا وقائيًا ضد الفيروس، و تعزز فرص المرأة الاقتصادية عبر انخراطها في التعليم للحصول على فرص عمل.
خاتمة
إنّ الإطار القانونيّ لا يشكّل مانعا أمام تدعيم المقاربة التّوعويّة التربويّة ضدّ الفيروس. و لا يتطلّب تعديل قوانين بالتوجّه نحو البرلمان. بل يحتاج إلى انخراط وزارة التّربية كمتدخّل رئيسي ضمن الاستراتجيّة الوطنيّة الحاليّة للمكافحة السّيدا و الحصول على جانب من التّمويلات المرصودة سابقا بهدف الرقيّ بجودة التّعليم التّونسي من حيث ملاءمته لثقافة حقوق الإنسان الكونيّة. و تعزيز معارف التّلاميذ و تهذيب سلوكيّاتهم إزاء المرضى المتضرّرين من الفيروس.
التّوصيات
على وزارة التّربية:
في المدى القريب
- برمجة حملات توعوية لتلامذة الابتدائي حول فيروس نقص المناعة البشري من خلال حملات التّلاقيح الإجباري مما لا يستوجب تكاليف ماديّة إضافية بما أنّ اعتمادات حملات التّلقيح الإجباري بالمدارس مرصودة.
- التّفاعل إيجابا مع جمعيّات المجتمع المدنيّ الرّاغبة في تقديم محاضرات أو تظاهرات توعويّة ضدّ الفيروس و ذلك من خلال تخفيف الأعباء البيروقراطيّة.
في المدى المتوسّط والبعيد
- التوجّه إلى تنقيح البرامج المدرسيّة في مادّة (علوم الأرض و الأحياء لتلامذة الاعدادي و العلوم الطبيعيّة لتلامذة الثانوي) بالإضافة إلى التّفكير الجدّي في إضافة مادّة جديدة للتّربية الجنسيّة.
- توفير البنية التّحتيّة الملائمة(كالمكاتب) لتعزيز دور خلايا الاصغاء و المستشارين النّفسيّين بهدف وصولهم لمختلف مدارس و معاهد الجمهوريّة.
[1] الفصل 39 من دستور 27جانقي 2014″تضمن الدولة الحق في التعليم العمومي المجاني بـــكامل مراحله، وتسعى إلى توفير الإمكانيات الضرورية لتحقيق جودة التربية والتعليم والتكوين. كما تعمل على تأصيل الناشئة في هويتها العربية الإسلامية وانتمائها الوطني وعلى ترسيخ اللغة العربية ودعمها وتعميم استخدامها والانفتاح على اللغات الأجنبية والحضارات الإنسانية ونشر ثقافة حقوق الإنسان “; الفصل 3 من القانون التّوجيهي عدد 80 ل2002 يتعلّق بالتّربية و التّكوين المدرسي “يستلهم المثل الإنيانيّة العليا و المبادئ الكونيّة في الحريّة و الدّمقراطيّة و العدالة الاجتماعيّة و حقوق الإنسان.”[2] مقال صحفي بموقع تورس مع رئيس الجمعيّة التّونسيّة للوقاية من المخدّراتhttps://www.turess.com/infosplus/10295 [3] مقابلة شخصيّة مع السيّدة لمياء بن حسين بتاريخ 27/10/2021 بكليّة العلوم القانونيّة و السيّاسيّة و الاجتماعيّة بتونس[4] بالمقارنة بين معدّل العنف في المؤسّسات التربويّة ل 2020 (3.5%) من جملة أماكن ممارسة العنف إلى (20 %) شهر أكتوبر 2021 و ذلك من خلال المنتدى التّونسي للحقوق الاجتماعيّة و الاقتصاديّة “التّقرير السّنوي للعنف في تونس 2020” ص.14 https://ftdes.net/ar/rapport-annuel-2020-violences-en-tunisie/ و عن المنتدى التّونسي للحقوق الاجتماعيّة و الاقتصاديّة “تقرير شهر أكتوبر 2021 حول الاحتجاجات الاجتماعيّة و الهجرة و حالات الانتحار و العنف” ص.8 https://ftdes.net/ar/ost-rapport-octobre-2021-des-mouvements-sociaux-suicides-violences-et-migrations/ [5] مقال صادر عن صحيفة العربي الجديد بعنوان “المجتمع التّونسي, معاناة مع ازدياد منسوب العنف” https://cutt.ly/xXZAgJA [6] تقرير أعدّته الجمعيّة التّونسيّة للصحّة الانجابيّة سنة 2017 ” آليّة عمليّة للتّوثيق, المتابعة و الإعلام حول الحقوق الجنسيّة و الإنجابيّة بتونس” (اضافة عدد الصفحة) https://cutt.ly/AXZAbo2 [7] منظة الصحية العالمية, فيروس العوز المناعي البشري/ الأيدز حقائق رئيسية,نوفمبر 2021 https://www.who.int/ar/news-room/fact-sheets/detail/hiv-aids [8] ” مقال صادر عن منظّمة الأمم المتحّدة “كوفيد 19 يؤثّر بشدّة على الخدمات الصحيّة الخاصّة بالأمراض غير السّارية https://www.un.org/ar/coronavirus/articles/health-impact [9] مقال صادر عن صحيفة “تونس ألترا” بعنوان “بين الوصم و النّبذ و كورونا معاناة مصابي السّيدا في تونس تتضاعف” https://cutt.ly/AXZF3Jy[10] مقال صادر عن صحيفة “تونس ألترا” بعنوان “بين الوصم و النّبذ و كورونا معاناة مصابي السّيدا في تونس تتضاعف” https://cutt.ly/AXZF3Jy [11] شبكة التثقيف الدولية هي شبكة تعليمية دوليه تعمل في مجال تثقيف الاقران والصحة الانجابية. وهي شراكة بين صندوق الامم المتحدة للسكان (UNFPA) و تعمل الشبكة في الدول العربية, أوروبا الشرقية, أسيا الوسطى و شرق أفريقيا. على المستوى المحلي يشارك أعضاء الشبكة في التدريبات المختلفة و في الاجتماعات التي تناقش تثقيف الاقران و كذلك في تبادل الخبرات في ما بينهم. أما على المستويان الاقليمي و الدولي، تتيح الشبكة الفرصة للأعضاء على المستوى المحلي لكي يشاركوا في الاجتماعات و الملتقيات الدولية و كذلك في التدريبات المتقدمة التي تقام بانتظام [12] موقع رسمي للبرامج التّي انخرطت فيها تونس بالحصول على تمويلات أجنبيّة https://www.ccmtunisie.org.tn/programmes-nationaux/le-programme-national-de-lutte-contre-le-vihsida-pnls [13] الجزيرة “التّعليم الثّانوي يحمي المراهقين من الإيدز” https://cutt.ly/HXZZFgE [14] “Peer education program to reduce Tuberculosis and VIH risks in Tanzania” JSI/Aids free project2017 p.13 [15] كما تؤكّده الدّكتورة نادية بزاد رئيسة المنظّمة الإفريقيّة لمكافحة السّيدا فرع المغرب https://www.youtube.com/watch?v=N8Q-Cjtfw5A [16] بمناسبة المناظرة الرّئاسيّة الثّانية ورد على لسان المترشّح قيس سعيّد “الثّروة البشريّة لا تنهض إلّا بالعلم و المعرفة” [17] مقال صادر عن منظّمة اليونسكو “الأمم المتحّدة تدعو إلى اتّباع نهج شامل بشأن التّربية الجنسيّة” https://ar.unesco.org/news/mm-lmthd-tdw-tb-nhj-shml-bsh-n-ltrby-ljnsyw [18] مقال عن “فرانس 24 بالعربيّة” بعنوان “تونس تدرج التّربية الجنسيّة ضمن المناهج الدّراسيّة” للأطفال بين سنّ 5 و 15 عاما” https://cutt.ly/3XZXbXC [19] الجزيرة “التّعليم الثّانوي يحمي المراهقين من الإيدز” https://cutt.ly/SXZXTWn [20] مقال صادر عن إذاعة جوهرة إف أم https://cutt.ly/pXZXHft [21] ” الجزيرة “التّعليم الثّانوي يحمي المراهقين من الإيدز https://www.aljazeera.net/news/healthmedicine/2015/6/30/التعليم-الثانوي-يحمي-المراهقين-من#:~:text=توصلت%20دراسة%20أميركية%20حديثة%20إلى,في%20البلدان%20الأفريقية%20الموبوءة%20بالمرض.