بحث

جار التحميل...
مشاركة

ملخص تنفيذي 

يطرح المرسوم عدد 54 لسنة 2022 العديد من الإشكاليات القانونية و الحقوقية. فلئن كانت الغاية الظاهرية من إصداره تتمثل في التصدي للجرائم السيبرانية إلا أن الوقوف على مضمونه يبين أنه في اصطدام مباشر مع أهم حقوق الإنسان والقوانين النافذة. وهو ما يستدعي بيان أوجه هذا الاصطدام من أجل اقتراح بعض الحلول الممكنة لتفاديه.     

مقدمة 

صدر أواخر 2022 المرسوم عدد 54 المتعلق بجرائم أنظمة المعلومات والاتصال الذي أسال الكثير من الحبر نظرا لصدوره كنسخة مشوهة من مشروع القانون الذي سربت نسخة منه سنة [1]2015 وأثارت الكثير من الجدل. سنة 2018 صادق عليه مجلس الوزراء ثم قبر طيلة 4 سنوات ليعود سبتمبر الفارط في شكل مرسوم لا دستوري.

إن هذا المرسوم لا يهدد فقط حرية التعبير التي ارتقت أرواح الشهداء مقابلها. وإنما ينتهك أيضا العديد من الحقوق الأساسية للإنسان من قبيل الحق في الخصوصية، الحق في سرية المراسلات وحق الدفاع[2]. ولئن يعتبر المرسوم عدد 54 حديث العهد، إلا أنه كان السبب الكامن وراء إحالة العديد من المحامين والصحفيين ونشطاء من المجتمع المدني على القضاء[3]. وقد أجمعت كل الأصوات على خطورته سواء من الناحية القانونية أو من الناحية التقنية[4]. حيث أن مطالبة مزودي الخدمات مثلا بالاحتفاظ ببيانات حرفائهم يعدَ عبئا على المزودين الذين اعتادوا الحفاظ فقط على بعض البيانات الضرورية في التعامل دون غيرها[5] . وبالتالي، نظرا لشبح الإحالة على القضاء الذي بات يهدد كل من يجرؤ على التعبير عن رأيه، وأخذا بعين الاعتبار بأهمية المعطيات الشخصية في العصر الرقمي وما يمثله هذا المرسوم من خطر على سريتها أمسى من الضرورة الملحة لفت النظر لمختلف الخروقات المرصودة في هذا المرسوم بغية تداركها. 

الصدام بين جرائم المرسوم وحقوق الانسان

يتضمَن المرسوم عدد 54 حوالي 94 جريمة موزعة على 16 فصل[6] فقط صلب الباب الثالث منه. والذي يحمل في طياته العديد من الخروقات من حيث الشكل ومن حيث المضمون. أما بالنسبة للخروقات الشكلية، فتتمثل بالأساس في الطريقة التي صيغت بها هذه الفصول. حيث لم يراع المشرع فيها شروط صياغة القاعدة الجزائية. ويتضح ذلك في معظمها وخصوصا في الفصل 24 الذي يتضمن بمفرده 20 فعلا مجرما. كما يعاب على هذه الصياغة نقص الدقة، فالمشرع مثلا في الفصل العاشر لما نظم اعتراض الاتصالات لم يحدد مدته[7]. والذي يمكن على أساسه استمرار اعتراض الاتصالات إلى ما لا نهاية. ومن شأن ذلك أن يؤدي إلى انعدام الأمن القانوني الذي يقوم أساسا على تمكن المواطن دون عناء كبير من معرفة ما يبيحه القانون وما يمنعه حتى يتمكن من توقعه وبناء علاقاته القانونية على أساسه. وإن هذه النتيجة لا يمكن إدراكها إلا عن طريق نص يتميز بالوضوح والدقة ولا يترك مجالا للتأويل[8]. ومنه، فإن الصياغة القانونية هي التي تعطي القاعدة الشكل العملي لتطبيقها[9]. وهو ما يستوجب من المشرع بالتالي مراعاة عدم تصادمها مع النصوص المكرسة للحقوق والحريات، وبوصلته في ذلك التزامه بالغاية من التجريم والعقاب وعدم الانحراف عنها لتحقيق مآرب أخرى[10].

وأما بالنسبة للخروقات الموضوعية، فيمكن تقسيمها إلى خروقات للحق في الحياة الخاصة ولحق الدفاع ولحرية التعبير.  

خرق الحق في الحياة الخاصة   

من حيث المبدأ، يتمتع كل فرد بالحق في الحفاظ على خصوصية معلوماته. أي أن يكون له الحق في اختيار متى وكيف وإلى أي مدى يمكن إيصال المعلومات المتعلقة به إلى الغير[11]. إلا أن هذا المرسوم يرى عكس ذلك رغم ما أبداه في أحكامه العامة. فمن جهة، ينص الفصل الثاني على التزام السلط العمومية باحترام مقتضيات حماية المعطيات الشخصية. ومن جهة أخرى، يفرض الفصل السادس على مزودي خدمات الاتصالات حفظ بيانات حرفائهم لمدة سيحددها قرار وزاري. وفي كل الحالات فهي تتجاوز السنتين. هذا الفصل يسمح بانتهاك خصوصيات جميع المواطنين بمباركة القانون. ولم يتوقف على إباحة المعطيات الشخصية لمزودي الخدمات، بل وشرَع كذلك لكل من وكيل الجمهورية وقاضي التحقيق ومأموري الضابطة العدلية الحصول عليها هم أيضا دون حتى أن يستوجب ذلك أن يكون المعني بالأمر ذي شبهة[12]. حيث أن المشرع قد مكنهم من أن “يأمروا” بتمكينهم من البيانات، بحجزها وجمعها وتسجيلها لمساعدتهم على “كشف الحقيقة”، دون أن ينص الفصل على ضرورة أن يكون الشخص موضوع انتهاك البيانات ذي شبهة. في حين كرس هذا الشرط في الفصل العاشر المتعلق باعتراض الاتصالات. والذي يجب التوقف بخصوصه على توسيع المرسوم في مجال اعتراض الاتصالات. حيث أنه في الأصل وسيلة تحري خاصة لم يكن يسمح باللجوء إليها إلا استثنائيا بموجب قوانين خاصة وفي حالات حصرية تتمثل في الجرائم الإرهابية وجرائم الاتجار بالأشخاص نظرا لشدَة خطورتها وتهديدها لأمن الدولة. إلا أن هذا المرسوم ارتأى إدخال هذه الوسيلة في الكشف عن جرائم الاتصالات والتي هي في معظمها جنح لا تتطلب درجة خطورتها المخاطرة بانتهاك حقوق الانسان. باعتبار أن في استباحة خصوصية ذوي الشبهة بالتنصت على مكالماتهم والاطلاع على محتوى اتصالاتهم انتهاك لحقوق الإنسان الكونية في الخصوصية وسرية المراسلات[13]. 

خرق حق الدفاع 

إنَ في كل من تعميم آلية اعتراض الاتصالات في الكشف عن جرائم الحق العام والتمكن من بيانات المواطنين من مزودي الخدمات انتهاك صارخ لمبدأ مشروعية الأدلة الجزائية. حيث ” يرفض مبدأ المواطنة أن تقوم الدولة المؤتمنة على أسرار مواطنيها وأعراضهم بالتجسس عليهم للإيقاع بهم وضبطهم عند ارتكاب الجرم المشهود أو تثبيته عليهم لما في ذلك من مس صريح بمبدأ النزاهة الذي يعد من المرتكزات الأساسية في العمل القضائي”[14]. وهو ما يؤدي بالتالي إلى هضم حق الدفاع بما أن التنصت على اتصالات ذي الشبهة والاطلاع على محتوى بياناته لن يمنحه فرصة للدفاع عن نفسه برد التهمة أو إنكارها[15]. ويرى الأستاذ البشير المنوبي الفرشيشي أن لهذا المرسوم تداعيات خطيرة على حق الدفاع. من قبيل الفصل 24 الذي يمكن على أساسه إحالة محامي بمناسبة قيامه بأعماله كأن ينشر تدوينة على مواقع التواصل الاجتماعي يندد فيها بممارسات قمعية تعرض لها موكله من قبل أعوان الأمن حيث يمكن أن تدخل تحت طائلة جرائم هذا الفصل. وفي ذلك تعارض مع أحكام الفصل 47 من المرسوم المنظم لمهنة المحاماة. كما عرج الأستاذ الفرشيشي على خطورة الفصل التاسع على السر المهني للمحامي نظرا لكونه يبيح الاطلاع على اتصالات أي شخص بمن فيهم المحامي[16].

خرق حرية التعبير 

لا يمكن لأحد إنكار مكانة مواقع التواصل الاجتماعي في حياة الإنسان المعاصر ودورها في مزيد تكريس حرية التعبير لمستعمليها. حتى أنها قد غيرت بشكل كبير الممارسة الديموقراطية وذلك من خلال إعادة تحديد العلاقات بين الحاكمين والمحكومين[17]. وشمل هذا التغيير المشهد السياسي بتونس أيضا. بداية من الدور الذي لعبته التدوينات على مواقع التواصل الاجتماعي في اندلاع الثورة التونسية وصولا لعدد الإحالات على القضاء المرتكزة على منشورات الكترونية معارضة كانت قبل صدور هذا المرسوم تستند على الفصول الفضفاضة من قبيل تهمة ” هضم جانب موظف عمومي” أو “الاعتداء على الأخلاق الحميدة”… وأصبحت اليوم تجد سندها القانوني في المرسوم عدد 54. وكمثال على أوجه خرق حرية التعبير في هذا المرسوم، يمكن ذكر الفقرة الثانية من الفصل 26 التي لا تجرم فقط نشر وبث صور ومقاطع لاعتداء جسدي على الغير بل وتعدَها جناية يعاقب مرتكبها بنفس عقوبة نشر أو حيازة محتوى جنسي ضد قاصر والذي لا يمكن أن يكون بأي حال منطقيا. فالنيابة العمومية في تونس قد تمكنت في العديد من الحالات من إثارة دعاوى عمومية ضد معتدين بعد تداولات مستنكرة لها من قبل رواد مواقع التواصل الاجتماعي. ثم إن هذه المواقع قد أمست وسيلة لكشف المعتدين وتمكين الضحية من الحصول على الإعانة اللازمة بفضل تأثر الرأي العام وتداوله للصور والمقاطع تلك. فلا يعقل بالتالي تجريم هذا الفعل ناهيك عن المبالغة في التجريم واعتباره جناية. كما يمكن ذكر مثال الفصل 24 الذي يعيد تجريم أفعال مجرمة بكل من المرسوم عدد 115 المنظم للصحافة والمجلة الجزائية كإشاعة خبر زائف ويبالغ هذا المرسوم في العقوبات المستوجبة لها[18] في مخالفة متكررة لمبدأ التناسب بين الجريمة والعقوبة التي تفترضها. هذا إلى جانب مضاعفة هذا الفصل للعقوبات إذا ما استهدف الخبر موظفا عموميا أو شبهه. ولك أن تقيم بنفسك درجة احترام حرية التعبير في تونس إثر تقنين زج شخص بالسجن ل 10 سنوات مع خطية بمائة ألف دينار لقاء تدوينة.

التصدي للجرائم السيبرانية في ظل القوانين الحالية  

كبديل لهذا المرسوم العاجز عن التصدي للجرائم السيبرانية نظرا لتصادمه المتواصل مع أهم حقوق الإنسان الكونية والعديد من المبادئ الجزائية، يمكن للمشرع القيام بتنقيح القوانين الحالية والذي من شأنه وقايتها من التحول الى أخرى مهجورة لا هي ملغاة ولا هي مطبقة. ولتحديد أي القوانين المشمولة بالتنقيح، يمكن بداية الإستناد إلى مختلف أبواب المرسوم تباعا. فالمشرع في تبويبه لهذا المرسوم قد تأثر بالاتفاقيات الدولية في المجال إلا أنه أساء الصياغة أحيانا وتعسف على الحقوق أحيانا أخرى. وبالتالي، فإن التنقيح سيطال القوانين النافذة بإلهام من بعض فصول المرسوم وذلك بعد إعادة صياغتها في القوانين التي سيشملها التنقيح في حين سيقع التخلي عن مضمون بقية فصول المرسوم. وحتى تتحقق غاية مكافحة الجرائم السيبرانية يجب ألا يقتصر المشرع التونسي على تنقيح قوانينه بل يمكنه الاستئناس بالتجربة الأوروبية في مكافحة الجرائم السيبرانية ك[19]أن يقوم بإرساء مركز للدراسات يختص في البحث في الجرائم السيبرانية.

الفصول التي تستوجب إلغاء المرسوم عدد 54

يقوم الفصل الأول بتحديد الهدف من المرسوم وذلك يستوعبه الفصل الأول من مجلة الاتصالات المتمثل في تنظيم الاتصالات والذي لا يمكن تحقيقه دون التوقي والتصدي للجرائم المتعلقة بها. أما الفصل الثاني الذي ينص على الالتزام في تطبيق المرسوم بحقوق الإنسان، فهو أمر بديهي لا حاجة لتضمينه في فصل خاص به باعتبار أن القوانين توضع أساسا لتحترم. وفيما يتعلق بالفصل الثالث، فلا لزوم له باعتبار اندراجه تحت السلطة التقديرية للقاضي في تكييف الفعلة الاجرامية وتحديد الأركان الشرعية الخاصة بالجرائم المعروضة عليه. 

كما أنه من الضروري التخلي عن الفصل السادس المتعلق بالواجب المحمول على مزودي الخدمات بحفظ بيانات المستخدمين. هذا الفصل والفصول التي تتبعه والمتمثلة في الفصل الرابع والفصول من 9 إلى 15 والفصول من 27 إلى 31 المنظمة للنفاذ لبيانات المستخدمين[20] واعتراض اتصالاتهم وجمع الأدلة غير المشروعة على ضوئها هي فصول غير دستورية خارقة لحقوق الإنسان كما وقع بيانه ويتوجب بالتالي الغاؤها بإلغاء هذا المرسوم والتي إلى حين القيام بذلك، ستبقى وصمة عار في تاريخ التشريع التونسي.  

أما الفصل 24 المعنون ب “في الاشاعة والأخبار الزائفة” فهو أيضا في حاجة للدخول في غياهب النسيان، فهو الفصل الأكثر إثارة للجدل بخصوص انتهاك حقوق الإنسان إلى جانب صياغته الركيكة و الفضفاضة التي تفتح مجالا واسعا لتأويله. ثم إن الأفعال المشروع تجريمها في هذا الفصل قد سبق ونظمها كل من الفصلين 85 و86 من مجلة الاتصالات والمرسوم عدد 115 لسنة 2011 المنظم للصحافة والطباعة والنشر في القسم المتعلق بالجنح ضد الأشخاص والذي أحال إلى الفصل 50 منه بخصوص صورة ارتكابها ” بواسطة أي وسيلة من وسائل الإعلام السمعي والبصري والالكتروني” التي تندرج تحتها وسائل الاتصالات وبالتالي فلا حاجة لتكرار تجريم هذه الأفعال. كما يتعين إلغاء الفقرة الثانية من الفصل 26 المتعلقة بتداول صور أو مقاطع فيديو توثق اعتداء ضد شخص. إلى جانب إلغاء الفصل 33 المتعلق بتخفيف العقوبات الذي يعاب عليه العديد من النقاط من قبيل لا منطقية السياسة الجزائية للمشرع عند قيامه بالتفرقة على أساس السن دون التنصيص على إلغاء العمل بأحكام الفصل 53 من المجلة الجزائية المنظم لتخفيف العقوبات والتي ستتسبب في إشكال لدى التطبيق القضائي. حيث تحذف نصف العقوبة للمجرم الذي ينتمي للفئة العمرية التي حددها المرسوم (فوق 18 سنة ودون 20 سنة) أما إذا كان خارجها فإما يعاقب بكامل العقوبة وإما يتمتع بظروف التخفيف المنصوص عليها في الفصل 53 سابق الذكر والتي يمكن أن تكون أرفق بكثير من تلك التي يفرضها المرسوم على المنتمين لتلك الفئة. كما يعاب على هذا الفصل صورة التخفيف للمخبر حيث لم يحترم المرسوم الطرق الجزائية المعتادة في التعامل مع المخبر إما بعدم مؤاخذته أو عدم معاقبته. كما أن فيه تجاهل لدور القاضي الذي بإمكانه التخفيف في العقوبة من تلقاء نفسه[21].

القوانين التي تتطلب التنقيح على ضوء بعض فصول المرسوم عدد 54

  • مجلة الاتصالات

يمكن بالاعتماد على الفصل الخامس من المرسوم تنقيح الفصل الثاني من مجلة الاتصالات الخاص بتعريف المصطلحات وادراج مصطلحات الفصل الخامس صلبه. كما يمكن إضافة الفصول من 16 الى 23 من هذا المرسوم المتعلقة بجرائم الاعتداء على أنظمة المعلومات وجرائم الاحتيال والتدليس المعلوماتي إلى الباب السادس من المجلة. ولئن يعتبر التشديد في العقوبات المالية التي كرسها هذا المرسوم أمرا محمودا من شأنه التصدي للجرائم السيبرانية، إلا أنه يتوجب التخلي عن العقوبات السجنية أو على الأقل التخفيف منها باعتبارها جرائم اقتصادية تكون العقوبات المالية أنجع في ردعها[22]. فمثلا، يعاقب مرتكب جريمة الاحتيال المعلوماتي بالسجن ستة سنوات والتي تعد عقوبة قاسية لم تحترم في تشريعها قاعدة التناسب بين الجريمة والعقوبة.  

و إلى ذات الباب، يمكن إضافة مضمون الفصلين 34 و35 المتعلقين بتنظيم التعاون الدولي في مجال مكافحة جرائم الاتصالات مع الاستغناء عن الفقرة الأخيرة من الفصل 35 باعتبار أنه من جهة لا يمكن حقيقة مراقبة مصير المعلومات ومدى التزام الدول بعدم استعمالها في مآرب أخرى ومن جهة أخرى يمكن أن يتسبب الامتناع عن التعاون مع دولة تجمعها اتفاقية تعاون بالدولة التونسية في مشاكل بين الدولتين[23].

  • القانون عدد 36 لسنة 1994 المتعلق بحماية الملكية الفكرية 

يمكن تنقيح هذا القانون بإضافة الفصل 25 من هذا المرسوم المتعلق باستعمال أنظمة المعلومات والاتصال في انتهاك حقوق النشر والتأليف والحقوق المجاورة مع التخلي عن العقوبة السجنية باعتبار أن هذه الجريمة اقتصادية و العقوبة المالية التي اقترحها المرسوم كفيلة بتحقيق الغاية الردعية المنشودة.

  • مجلة حماية الطفل 

يمكن للمشرع أن ينقَح العنوان الأول من مجلة حماية الطفل بإضافة محتوى الفقرة الأولى من الفصل 26 المتعلق بتجريم مختلف الاعتداءات الجنسية على الطفل المرتكبة عبر شبكات وأنظمة المعلومات والإتصال.

إنشاء مركز للدراسات خاص بالجرائم السيبرانية 

إن عرض الإحصائيات المحددة لنسبة الإجرام السيبراني في مختلف مجالاته سواء المرتكبة عن طريق أو ضد أنظمة المعلومات وشبكات الاتصال التونسية أو حصر نسبة الضحايا أو المجرمين التونسيين في الجرائم السيبرانية أمر غير ممكن. وفي أحسن الحالات يمكن التوصل إلى احصائيات منفردة جمعت في مجال دون البقية[24]. وهو ما يدفع للتفكير في اقتراح إرساء مركز للدراسات يختص بالبحث في مختلف مجالات الجرائم السيبرانية. ينظم هذا المركز بقانون ويسند له دوران متلازمان. الأول دراسي بحت يتمثل في القيام بجمع الإحصائيات المتعلقة بمختلف الجرائم السيبرانية وتحرير تقارير دورية بشأنها تصدر نهاية كل سنة حتى يمكن تقييم مدى تمكن أو فشل الدولة في التصدي للجرائم السيبرانية والذي يمكن على ضوئه معرفة مواقع الخلل في السياسة الجزائية المعتمدة التي تتطلب مزيد العمل عليها أو تغييرها. أما الدور الثاني لهذا المركز، فهو دور استشاري.  حيث يقدم هذا الأخير على ضوء تقاريره السنوية السابقة الذكر اقتراحات على السلطة التشريعية لسن قوانين جديدة أو تنقيح القوانين الموجودة. ومن شأن كل ذلك التمكن من تقييم والتحسين من السياسة الجزائية للمشرع لضمان استجابتها لتطور الاجرام.     

خاتمة

يمكن تلخيص كل ما ذكر في أن المرسوم عدد 54 يتضمن بعض الإضافات المحمودة إلا أن خروقاته لحقوق الإنسان والمبادئ الجزائية الأساسية سواء الشكلية المتجسدة في عدم احترام أسلوب صياغة القاعدة الجزائية أو الموضوعية والمتمثلة أساسا في خرق مبدأ التناسب بين الجريمة والعقوبة أو خرق مبدأ مشروعية الأدلة الجزائية… يدفع الى القول بأنه من الأرجح الغاء هذا القانون والقيام عوضا عنه بتنقيح القوانين النافذة على ضوء بعض فصول المرسوم التي وفق المشرع في سنها. كما أن في إرساء مركز دراسات مختص في الجرائم السيبرانية فرصة لضمان متابعة وضع تونس إزاء الجريمة السيبرانية مما يمكنها بالتالي من مكافحتها فعليا. 

التوصيات

على مجلس نواب الشعب:

  • إلغاء العمل بالمرسوم عدد 54 لسنة 2022 المؤرخ في 13 سبتمبر 2022 والمتعلق بمكافحة الجرائم المتصلة بأنظمة المعلومات والاتصال. 
  • تنقيح كل من مجلة الاتصالات، مجلة حماية الطفل، والقانون عدد 36 لسنة 1994 المتعلق بحماية الملكية الفكرية وحقوق المؤلف والحقوق المجاورة. وذلك لضمان التصدي للجرائم السيبرانية في كنف الانسجام مع بقية القوانين وفي إطار احترام حقوق الإنسان. 
  • تشريع قانون يتعلق بإرساء وتنظيم شروط وصلاحيات مركز الدراسات المختص في الجرائم السيبرانية. 
  • إعتماد الورقات الاستشارية لهذا المركز وأخذها بعين الاعتبار عند تشريع القوانين أو خلال تنقيح القوانين النافذة لضمان سياسة جزائية ناجعة في التصدي للجرائم السيبرانية.

[1]    قانون ‘الجرائم الإلكترونية’ في تونس: لغز لم يتم حله بعد – Access Now [2]  في المادة الجزائية: يتمثل حق الدفاع في جملة الامتيازات التي تضمن للشخص المشتبه به أو الواقع تتبعه إمكانية تأمين الدفاع عنه بنجاعة في الإجراءات الجزائية. والذي ينجر عن خرقه بطلان الإجراءات. مثل حق الاستعانة بمحام يكون على علم بتقدم الإجراءات وحاضرا عند البحث والتحقيق معه، المحاكمة العلنية، الحق في إلقاء أسئلة على الشهود، الحق في حرية الكلمة، الحق في محاكمة عادلة…، Cornu Gérard, Vocabulaire Juridique, Presses Universitaires de France, Paris, 2014, page 309.  [3]  حيث أحيل المحامي مهدي زرقوبة أمام القضاء كذلك الطالب بهاء الدين حمادة والناشطة السياسية شيماء عيسى وغيرهم على معنى هذا المرسوم.  لمزيد من التفاصيل: تقريـــــر حــــــول استخدام السلطات التونسية للمرسوم عدد 54 للانتهاك حقــوق الإنســـان بحــق معارضيها ، جمعية تقاطع  [4]   منظمات وجمعيات تدعو لإطلاق حملة وطنية لإيقاف العمل بالمرسوم 54 [5] مداخلة مهندس اعلامية في إطار ندوة بعنوان:” قراءة للمرسوم عدد 54 لسنة 2022 المضامين والتداعيات على حق الدفاع.”، ندوة نظمت بدار المحامي بتونس يوم 17 جانفي 2023.[6]  البشير المنوبي الفرشيشي، محاضرة بعنوان:” قراءة للمرسوم عدد 54 لسنة 2022 المضامين والتداعيات على حق الدفاع.”، ألقيت في إطار ندوة نظمت بدار المحامي بتونس يوم 17 جانفي 2023. [7] نفس المصدر [8]  د. سعيد بن علي بن حسن المعمري ود. رضوان أحمد الحاف، ” مبدأ الأمن القانوني ومقومات الجودة التشريعية “، مجلة البحوث القانونية والاقتصادية، عدد 79، مارس 2022، ص 16. [9]   د. نوفل علي عبد الله الصفو، أساليب الصياغة القانونية للنصوص الجزائية، مجلة كلية القانون للعلوم القانونية والسياسية، كركوك، 2013، ص 56. [10]  د. نوفل علي عبد الله الصفو، مرجع سابق، ص 61. [11]   سوزان عدنان الأستاذ، انتهاك حرمة الحياة الخاصة عبر الإنترنت، مجلة جامعة دمشق للعلوم الاقتصادية والقانونية، المجلد 29 ,العدد الثالث، دمشق, 2013, ص 433. [12]  الفصل 9 من المرسوم.[13]   تنص المادة 12 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان المؤرخ في 10 ديسمبر 1948 على أنه ” لا يجوز تعريض أحد لتدخل تعسفي في حياته الخاصة أو في شؤون أسرته أو مسكنه أو مراسلاته، ولا لحملات تمس شرفه وسمعته. ولكل شخص حق في أن يحميه القانون من مثل ذلك التدخل أو تلك الحملات.” كما تضمن المادة 17 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية هذا الحق حيث تنص على أنه ” لا يجوز تعريض أي شخص، على نحو تعسفي أو غير قانوني، لتدخل في خصوصياته أو شؤون أسرته أو بيته أو مراسلاته، ولا لأي حملات غير قانونية تمس شرفه أو سمعته.” [14]  برهان عزيزي، مشروعية التنصت الهاتفي: أذن تشتكي وجريمة تستنطق، مجلة الأخبار القانونية، عدد 198/199، تونس، أفريل 2015, ص 6. [15]   عبد العزيز الحسن، جوانب من الحماية الجزائية الموضوعية لحق الدفاع أمام جهات التحقيق والقضاء دراسة مقارنة، مجلة الشريعة والقانون، عجمان، جانفي 2020، ص 348. [16]   البشير المنوبي الفرشيشي، مرجع سابق. [17]  Coralie Richaud, « les réseaux sociaux : nouveaux espaces de contestation et de reconstruction de la politique », les nouveaux cahiers du conseil constitutionnel, n 56, avril 2017, Editions Lextenso, Paris, page 29 et suivants. [18]  البشير المنوبي الفرشيشي، مرجع سابق. [19]  أسند المجلس الأوروبي مهمة رصد الجرائم السيبرانية وتحرير تقرير سنوي يبين وضعية الدول الأعضاء من الاجرام السيبراني إلى شرطة الاتحاد الأوروبي. للمزيد من التفاصيل:Pierre Berthelet, “ Apercus de la lutte contre la cybercriminalité dans l’Union Européenne”, Revue de science criminelle et de droit comparé, N°1, 2018, page 59 et suivant.  [20]  يقدم المرسوم تعريفا للبيانات المعلوماتية ك “كل عرض للوقائع أو للمعلومات أو للمفاهيم في شكل قابل للمعالجة الآلية بما في ذلك البرمجيات التي تمكن نظام معلومات من وظيفة معينة.” [21]  البشير المنوبي الفرشيشي، مرجع سابق. [22]  فتحي بن يوسف الميموني، ” مفهوم القانوني لجرائم الاتصالات”، جرائم الاتصالات، دورة دراسية نظمت يوم 25 ديسمبر 2003 بالمعهد الأعلى للقضاء بتونس، ص 9. [23]   البشير المنوبي الفرشيشي، مرجع سابق. [24]  الهيئة الوطنية لمكافحة الاتجار بالبشر تقدم إحصائيات لضحايا جرائم الاتجار بالبشر السيبرانية في تقاريرها. أنظر كمثال تقريرها لسنة 2021.

المراجع الببليوغرافية
المساهم

ياسمين عبد اللطيف

طالبة وباحثة في العلوم الجنائية

العودة إلي أعلى