يستمد التعليم انتعاشته كقطاع حيوي داخل كل دولة من الاستقرار ومن وضوح الرؤى الاستراتيجية وهو الأمر الذي أضحى مفقودا اليوم في تونس، فغياب الاستقرار وتناسق السياسات العمومية أصبح السمة الأساسية لهذا القطاع مما أدى الى تراجع جودته وخلف إجهاضا لكل محاولات الإصلاح ،ما يجعلنا في نهاية المطاف نستشعرغياب هيكل مستقل يمثل مساحة هادئة بعيدا عن دوامة الاضطرابات والتجاذبات السياسية.
يعتبر التعليم من بين القطاعات الحيوية داخل كل دولة بل ويصنف كعنصر بناء حضاري لما يكتسيه من أهمية في تموين الدولة بالطاقات البشرية الحيوية التي تساهم في إدارة البلاد وتحريك الحياة الاقتصادية. كما أن جودة التعليم قد أصبحت معيارا تصنف على أساسها البلدان إلى نامية ومتقدمة. إضافة إلى ذلك يمثل توفير تعليم ذي جودة أحد أهداف التنمية المستدامة (الهدف الرابع).
كانت تونس واعية بهذا الدور المحوري للتعليم منذ فجر الاستقلال حيث أولى بناة الدولة الحديثة أهمية كبرى للتعليم من خلال إقرار إجباريته ومجانيته وتخصيص جزء هام من الميزانية لتمويل المشاريع في القطاع التعليمي إذ بلغ نصيب وزارة التعليم في عهد الرئيس السابق الحبيب بورقيبة نسبة 36 بالمئة من ميزانية الدولة لسنة 1976.
كما أوكلت مهمة وضع وتنفيذ السياسات العمومية في التعليم آنذاك لمثقفين أمثال ” محمود المسعدي ” و “محمد الشرفي”. و قد توجت تلك المجهودات بارتفاع في نسبة التمدرس في تونس لتبلغ نسبة 95 بالمئة وفق مؤشرات المعهد الوطني للإحصاء في تقرير التعداد العام للسكان والسكان لسنة 2014 كما أنتجت المدرسة العمومية التونسية قامات هامة في شتى المجالات العلمية و صدرت تونس خبراتها و كفاءاتها للخارج.
لكن ما لبثت البلاد أن شهدت تراجعا سريعا في مؤشرات التعليم اليوم وهو ما يبرز من خلال تراجع تصنيفها الدولي والعربي من حيث جودة التعليم حيث احتلت تونس المرتبة 84 في مؤشر التعليم الصادر عن المنتدى الاقتصادي “دافوس” لسنة 2019 حيث جاءت في المرتبة السابعة عربيا حسب نفس المؤشر. كما لم تنجح أي جامعة في دخول تصنيف “التايمز” لأفضل 300 جامعة في العالم ما عدا جامعة تونس المنار التي دخلت ضمن التصنيف سنة 2020 وفي مراتب متأخرة جدا.
كما أكد أحدث تقرير للبنك الدولي أن الطفل المولود في تونس يفقد 48 في المئة من قدراته الإنتاجية عندما يكبر[1]. وبحسب مؤشر رأس المال البشري الصادر عن البنك الدولي مؤخرا، فإنه إذا ما استمرت الظروف الحالية للتعليم والصحة في تونس على حالها، فإن الطفل المولود في تونس في سنة 2020 لن يصل إلا إلى 52 في المئة من قدرته الإنتاجية عندما يصير شخصا بالغا. وهو ما يعني أن الخدمات التي توفرها منظومتا التعليم والصحة في تونس تتسبب في هدر قدرات الطفل التونسي بنسبة تناهز النصف.
وقد كانت جميع الأطراف المتدخلة في العملية التربوية في تونس واعية بهذه الاستقرار حيث انخرطت البلاد في عدة برامج إصلاحية تهدف الى تطوير وتعصير المنظومة التربوية، لكنها لم تنعم بمناخ كاف من الاستقرار يسمح لها بتحقيق غاياتها، فلطالما تميزت السياسات العمومية في قطاع التعليم في تونس بعدم الاستقرار والاضطراب المتواصل و هو ما يستدعي إيجاد هيكل يوحد هذه السياسات و يشرف على تنفيذها.
سياسات عمومية غير مستقرة وغير متناسقة
طفرة في الهياكل وغياب في التناسق
يتميز قطاع التعليم في تونس بكثرة المتدخلين فيه ما بين أطراف رسمية حكومية وأخرى نقابية مدنية بالإضافة الى مكونات المجتمع المدني والمنظمات الدولية.
فمن ناحية الإشراف،تتولى عديد الوزارات هذه المهمة على اختلاف مراحل التدريس، فوزارة التربية و التعليم تشرف على التعليم الابتدائي و الثانوي و وزارة التكوين المهني تشرف على قطاع التكوين المهني في حين تشرف وزارة التعليم العالي على التعليم في المرحلة العليا في الجامعات. أما مرحلة رياض الأطفال والمحاضن فتخضع لإشراف وزارة المرأة و الأسرة كما نجد أن مدارس التكوين العسكرية مثل الأكاديميات العسكرية خاضعة للإشراف المباشر لوزارة الدفاع كما تخضع بعض المؤسسات التعليمية الجامعية لإشراف بعض الوزارات بالشراكة مع وزارة التعليم العالي ومن ذلك المدارس الفلاحية و مراكز البحوث الزراعية الخاضعة الى اشراف مشترك بين وزارة التعليم العالي و وزارة الفلاحة.
كما تتميزهذه الهياكل المتعددة بحركية متواصلة حيث كثيرا ما تتغير تركيبة هذه الهياكل وتسمياتها. كما تطرأ تغييرات عديدة على مصالحها فيقع الاستغناء عن بعضها أحيانا أو يقع دمج بعضها في البعض الآخر ضمن الوزارات وفي حالات أخرى يقع التقليص منها لتصبح مجرد إدارات مركزية لا غير، فوزارة التكوين المهني على سبيل المثال قد تحولت من قسم ضمن وزارة التربية الى وزارة مستقلة سميت بوزارة “التشغيل والتكوين المهني” ليقع مؤخرا إلحاقها بوزارة الشباب والرياضة لتصبح تحت مسمى “وزارة الشباب والرياضة والإدماج المهني ”
غيرأنه لم يقابل كثرة المتدخلين في القطاع تنسيق متواصل للجهود بل غلبت عليه السياسات القطاعية المنفردة التي لم ترق إلى مرتبة النظرة الاستراتيجية للتعليم القائمة على التنسيق المتبادل حتى يقع توظيف التعليم لخدمة الاستراتيجيات الوطنية ويساهم في دفع القاطرة الاقتصادية.
واقتصرت مظاهر التنسيق بين الأطراف المتدخلة في القطاع على توقيع اتفاقيات محددة المجال بين الوزارات المتداخلة وليس أدل على ذلك من عدم تلاؤم مخرجات ومناهج التعليم الابتدائي مع تلك المعتمدة في التعليم العالي و أبسط مثال على ذلك هو لغة التدريس المعتمدة في بعض الاختصاصات كالبرمجة الحاسوبية التي تدرس في المرحلة الثانوية باللغة الفرنسية ثم الإنجليزية في التعليم العالي. ويستخلص مما سبق غياب نظرة جامعة للتعليم توحد السياسات القطاعية لخدمة مجموعة من الأهداف المشتركة.
إجهاض تجارب الإصلاح
عرفت تونس منذ الاستقلال 3 برامج لإصلاح المنظومة التربوية سنوات 1958، و 1991 و2002،
و لئن تميزت تجربة الإصلاح الأولى لسنة 1958 بطابعها التأسيسي باعتبارها متجهة نحو ترسيخ مبادئ الجمهورية فإنها لم تنجح في التخلص من الارتباط بالمنظومة التربوية الفرنكوفونية خاصة أمام حدة الجدل آنذاك حول توحيد النظام التعليمي و القطع مع التعليم الديني في الكتاتيب. كما تجدر الإشارة الى كون خصوصية تلك التجربة الإصلاحية تمثلت في التوجه نحو اعتماد نموذج تعليمي قائم على النوعية لا الكمية لذلك كان يقع فرز التلاميذ و اختيار النخبة لمواصلة التدريس الجامعي في حين يقع توجيه البقية إلى التكوين التقني الفني و لئن سجلت هذه التجربة نجاحات مرموقة فإنها تعثرت بسبب حدة التجاذبات بين المدارس الزيتونية و المدارس الفرنكوفونية وهو ما جعل من محاولة إدماج كل المدارس الفكرية مدخلا لعدم التجانس في النظم التعليمية المتبعة.
و أما تجربة الاصلاح في السبعينات و الرامية الى مزيد توجيه التعليم نحو خدمة سوق الشغل عبر ملائمة المناهج لمتطلبات السوق فلم تكن في الحقيقة نتيجة لخيارات وطنية نظرا لكثرة الظروف المتدخلة في الموضوع خاصة من ناحية تأثر صناع القرار التونسيين بالنماذج التعليمية الغربية التي لا تتلاءم كثيرا مع الخصوصيات الإقتصادية التونسية.
مخلفات عدم الاستقرار السياسي
وزارة التربية والتعليم على سبيل المثال تداول على تسييرها تسع وزراء منذ سنة 2011 بمعدل وزير في كل سنة. وأما وزارة التعليم العالي فقد تداول على تسييرها ثمان وزراء منذ الثورة كما شهدت دواوين هذه الوزارات تغييرا مستمرا في التركيبة وفي مناهج العمل وفي المقاربات المعتمدة خصوصا مع اختلاف الرؤى وهو ما يؤكد حالة الإضطراب في تسيير هذه الوزارات الحيوية المسؤولة بشكل أساسي على وضع وتنفيذ السياسات العمومية التعليمية. ويعتبر هذا الوضع نتاجا طبيعيا لحالة عدم الاستقرار الحكومي الذي تشهده تونس خلال السنوات الأخيرة مما جعل القطاع التعليمي هو الأخر يتأرجح بين أمواج التجاذبات السياسية.
كما لم ينجح أي من الوزراء المكلفين في وضع تصور عام واستراتيجي لإصلاح المنظومة التربوية بينما اقتصرت مجهوداتهم على مسايرة التطورات وحل المشاكل التي تنتهجها من سبقهم على كرسي الوزارة بل ويعملون تحت ظروف التهديد بإقالة أو استقالة مفاجئة.
وقد انعكس هذا الوضع المتقلب عموما على أداء الوزارات وعلى تنفيذ السياسات العمومية في القطاع التعليمي،إذ أصبحت محكومة بالتأجيل والتردد حيث يتم الانطلاق أحيانا في تنفيذ سياسة عمومية معينة في التعليم قبل أن يتم التخلي عنها سريعا بمجرد تغيير الإطار المشرف على الوزارة وقد ينتهي فريق حكومي في بعض الأحيان من وضع سياسة عمومية في التعليم لكنها لا تغادر الرفوف لعدم اقتناع الوزير الموالي بها. ونملك في هذا الإطار العديد من الأمثلة حيث وضعت وزارة التربية في عهد الوزير السابق “الناجي جلول ” سياسة عمومية لرقمنة الكتب المدرسية على محامل رقمية مع اعتماد الألواح الالكترونية و شرعت الوزارة في اعتماد تجارب نموذجية في بعض المدارس كما بدأت في إعداد طلبات العروض لاقتناء الألواح و لكن سرعان ما وقع التراجع عن هذا البرنامج و إيقاف تنفيذه بمجرد إقالة الوزير المذكور من الوزارة.
كما وقع إطلاق استشارة وطنية حول إصلاح المنظومة التربوية سنة 2014[2] وبناء على توصياتها وقع الشروع في إعداد الصلاحيات لكن مخرجات هذه الاستشارة بقيت حبيسة الرفوف بسبب تغيير الحكومة و تغيير الإطار المشرف على الوزارة. و نستخلص من الأمثلة السابقة أن السياسات العمومية التي يقع وضعها في قطاع التعليم لم تحظ بالوقت الكافي لتحقيق أهدافها بسبب انعكاسات حالة اللا استقرار السياسي على القطاع التعليمي.
مجلس أعلى للتربية والتعليم لتنسيق وتوحيد السياسات العمومية في القطاع التعليمي
أهداف المجلس الأعلى للتربية والتّعليم
يعتبر الاستقرار حاجة ملحة في القطاع التعليمي ولا يمكن أن يتوفر هذا الاستقرار في ظل غياب هيكل موحد يشرف على وضع وتنفيذ السياسات العمومية في التعليم. ولا يعتبر هذا الهيكل ببدعة حيث يقع اعتماده في أغلب دول العالم ذات مؤشرات التعليم العالية.
وتكمن أهمية المجلس الأعلى للتربية والتعليم في كونه يسمح بتنسيق السياسات العمومية في مجال التعليم وتوحيد رؤى كل الأطراف المتدخلة في القطاع بالإضافة الى وضع الخطط الوطنية في المجال التربوي والإشراف على تنفيذها وتقييمها وبالتالي النأي بالمؤسسات التربوية عن التجاذبات السياسية وحمايتها من أي توظيف. و يخلق بالتالي بيئة عمل مستقرة تسمح للهياكل التربوية بالازدهار والتطور، كما يكون للمجلس سلطة الحسم. وقد شهدت تونس محاولة أولى لإرساء هيكل موحد للتعليم أطلق عليه “المجلس الأعلى للتربية ” بمقتضى الأمر الحكومي عدد 2260 المؤرخ في 10 أكتوبر 2000 [3]والمتعلق بضبط تركيبة ومشمولات المجلس الأعلى للتربية. ويتركب هذا المجلس وفق مقتضيات الأمر من عدة وزراء منهم وزراء التعليم العالي والتربية والمالية والداخلية … وفعليا لم يكن هناك وجود واقعي لهذا المجلس ذلك أنه كان مجردا من الصلاحيات على اعتبار أن الفصل الأول أسند له صلاحيات استشارية لا غير كما أن تركيبته عبارة عن حكومة مصغرة تحظى بنفس القدر من التجاذبات ناهيك عن غياب برنامج عمل وأهداف واضحة تحدد أولويات المجلس وطرق مواجهة الخلافات الكبرى التي قد تطرأ في القطاع وإمكانية إشرافه على الملفات الكبرى المتعلقة بالتعليم
التجارب المقارنة في اعتماد مجلس أعلى للتربية و التعليم
وقع اعتماد تجربة المجلس الأعلى للتربية و التعليم في أكثر من دولة و قد حقق وجوده استقرارا في السياسات العمومية في قطاع التعليم بل وكان منطلقا لعدة تجارب إصلاحية حيث تم تطبيق التجربة في كل من فرنسا وإيطاليا والدنمارك والأردن و الجزائر والمغرب والعديد من الدول الأخرى. و لعل أبرز تجربة هي التجربة المغربية نظرا للتقارب بين المغرب و تونس من حيث المؤشرات الديمغرافية و كذلك من حيث المراتب العالمية في التعليم .
وقع اعتماد تجربة مجلس أعلى للتربية والتعليم في المغرب حيث أطلق عليه تسمية “المجلس الأعلى للتربية والتعليم والبحث العلمي وهو هيئة استشارية مستقلة أحدثت بموجب الفصل 168 من الدستور المغربي ؛ مهمتها إبداء الرأي في كل السياسات العمومية، والقضايا ذات الطابع الوطني، التي تهم ميادين التربية والتكوين والبحث العلمي.
يسعى المجلس، بصفته هيئة استشارية مستقلة إلى الحوكمة الجيدة والتنمية المستدامة والديمقراطية التشاركية، كما يعمل على أن يكون بوتقة للتفكير الاستراتيجي في قضايا التربية والتكوين والبحث العلمي وفضاء تعدديا للنقاش والتنسيق بشأن مختلف القضايا المتعلقة بهذه المجالات.
كما أسند القانون المغربي لهذا المجلس دور تنوير ذوي القرار والفاعلين والرأي العام، بواسطة التقييمات الكمية والنوعية، المنتظمة والدقيقة لمختلف مكونات منظومة التربية والتكوين والبحث العلمي التي ينجزها.
ويتكون المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي من 100 عضو موزعين على الخبراء والأساتذة والمتدخلين في العملية التربوية بجميع أصنافها بالإضافة إلى 26 عضوا يمثلون الحكومة، المؤسسات الأكاديمية والعلمية، البرلمان ومؤسسات التربية والتكوين كما تحظى المنظمات والنقابات بتمثيلية صلب هذا المجلس حيث خصص لهم 58 عضوا.[4]
إرساء المجلس الاعلى للتربية والتعليم: مطلب موحّد لجلّ القوى الوطنيّة
وكي لا تنحصر نظرتنا هذه ضمن الانطباعيات أو كي لا تكون ضربا من الأطروحات النظرية كان لا بدّ من الرجوع إلى وثائق متنوّعة صدرت عن جهات وأطراف، رسميّة ومن المجتمع المدني، لها رأي ومشاريع ضمن إصلاح المنظومة التربويّة. حيث كان إحداث المجلس الأعلى للتربية والتكوين مطلبا لشريحة عالية من المدرّسين ومن الإطار التربوي عموما. وقد عكست ذلك تقارير الاستشارات الوطنية للمربين التي تمّ الشروع فيها منذ جوان 2012 ونذكر منها :
-ما ورد بالتقرير الوطني لنتائج الاستشارة لمدرّسي التعليم الابتدائي من” إحداث مجلس أعلى للتربية، ووضع إطار تشاوري للتنسيق بين المنظومة التعليمية ومنظومتي التعليم العالي والتكوين…”[5] ” ويرى المدرّسون أنّ ضمان استقلاليّة المنظومة التربويّة مشروط باعتماد فلسفة تربوية قوامها مؤسسة قادرة على التغيير الاجتماعي وذلك ببعث هيئة مستقلة عليا للتربية تشرف على متابعة التجارب التربوية وتقييمها كما تشرف على الإصلاح التربوي…”
– جاء في التقرير التأليفي للحوار الوطني حول إصلاح المنظومة التربوية – حوار الجهات –في الصفحة الثامنة من ضمن أحد البدائل التي طالبت بها التقارير الجهويّة للاستشارة ” إنشاء مجلس أعلى للتربية إدراجه في الدستور” وبلغت نسبة التواتر 12/ 26، وهي من أعلى النسب في التقرير. و تم التأكيد على هذا الطلب في مواضع أخرى إذ نجد في الصفحة 11 تحت عنوان استنتاجات واستخلاصات” :”تميل أغلب الآراء إلى المطالبة بجعل التربية شأنا وطنيا استراتيجيا لا يهمّ وزارة فقط بل الدولة بهياكلها ومؤسساتها كافة “. وتدعّم هذا الطلب في أعمال الورشة الرابعة التي اعتنت بالحوكمة والتسيير تحت باب “علاقة المركز بالجهات”حيث ورد في خانة البدائل ” إحداث مجلس أعلى للتربية ومجالس جهوية له بما يشكل إطارا لدمقرطة التسيير وحماية المرفق العام من كل توظيف[6] “.
من الضروري الإشارة أيضا الى كون مكونات المجتمع المدني في تونس قد قامت بإعداد مشروع قانون يتعلق بإحداث مجلس أعلى للتعليم و وقد تقدّمت الجمعية الوطنية للائتلاف المدني لإصلاح المنظومة التربوية في هذا الإطار بطلب للبرلمان لتقديم مقترح قانون صاغته لإحداث مجلس أعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي[7] .
خاتمة:
يزدهر التعليم باعتباره قطاعا حيويا من الاستقرار و ينتعش فيه و يتغذى من التناسق و ينمو في ظل الرؤى الاستراتيجية و هو الأمر الذي لم يتحقق في تونس في ظل وضعية من عدم الاستقرار السياسي المؤدي إلى اضطرابات في البرامج التربوية و عرقلة تنفيذ السياسات العمومية في قطاع التربية كما أن كثرة الهياكل و تشعبها فاقم من الفوضى في غياب تنسيق وتحديد لاستراتيجية واضحة المعالم .
وسط كل هذا الزخم و فوضى الهياكل و البرامج فإن الحاجة أكيدة اليوم إلى إيجاد هيكل جامع قار يظل بعيداً عن نطاق التجاذبات السياسية و محصنا من الاختراقات الأجنبية يكون مرجعا للسياسات العمومية في قطاع التعليم مثلما ما هو الحال في عدة دول أجنبية ليكون بذلك اعتماده استجابة لمطالب أغلب القوى الفاعلة في ميدان التعليم.
التوصيات:
- على السلطة التنفيذية اطلاق استشارة وطنية حول المجلس الأعلى للتربية و التعليم
- على السلطة التنفيذية تنظيم حوار وطني حول المجلس الأعلى للتربية و التعليم يقع الاتفاق فيه على هيكلة المجلس و أهدافه، وتكون مخرجاته نواة أولى لإعداد مشروع قانون يتعلّق بإرسائه.
- على السلطة التنفيذية إلغاء العمل بالأمر عدد 2260 لسنة 2000 المتعلّق بإرساء مجلس أعلى للتربية وتقديم مشروع قانون يؤسس لمجلس أعلى للتربية والتعليم يحظى بالاستقلالية المالية والإدارية و يتولى الإشراف على وضع السياسات العمومية وتنفيذها وتقييمها.
[1] البنك الدولي، تقرير التنمية العالمية 2018، https://www.worldbank.org/en/publication/wdr2018 (تمت استشارته في 4 ديسمبر 2020، 09:36) [2] موقع وزارة التربية [3] الرائد الرسمي للجمهورية التونسية الصادر بتاريخ 10 أكتوبر سنة 2000 [4] الموقع الالكتروني للمجلس الأعلى للتربية و التعليم و البحث العلمي المغربي [5] لتقرير الوطني حول نتائج الاستشارة لمدرسي التعليم الابتدائي صفحة 16 [6] التقرير الوطني حول نتائج الاستشارة الوطنية لمدرسي التعليم الابتدائي صفحة 49 [7] محمد ضيف الله، “الجمعية الوطنية للائتلاف المدني لإصلاح المنظومة التربوية تقترح حلولا لأزمة التعليم”، https://bit.ly/3m5LyEA