بحث

جار التحميل...
مشاركة

ملخص تنفيذي 

لئن صادقت تونس على الاتفاقية الدولية لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة التي على إثرها شهدت  الترسانة القانونية المحلية تعديلا بسيطا لا يتطابق ومحتوى الاتفاقية, ظلت حقوق ذوي الإعاقة حبيسة جعجعة إعلامية وبروبغندا سياسة يُلجأ إليها  وقت الحاجة. إذ تكابد هذه الفئة عديد الصعوبات من أهمها عدم تلقي التعليم  المناسب والدامج, وعدم توفر وسائل نقل مهيأة… فرغم تعالي الأصوات المنادية بضمان حقوق الإنسان والحريات الأساسية إلا أن حقوق هذه الفئة لا تزال مهضومة إلى اليوم.

تسلط هذه الورقة السياسية  الضوء على حقوق ذوي الإعاقة في تونس التي ظلت معلقة بين أمل الانجاز وحقيقة الواقع العاجز عن تجسيدها.

مقدمــــة

      000 241 شخص هو عدد الأشخاص ذوي الإعاقة في تونس حسب إحصائيات المعهد الوطني للإحصاء في سنة [1]2014 , بعيدا عن صحة هذا الرقم من عدمه, والذي   يتعارض  مع تقارير منظمة الصحة العالمية وهو ما سيقع شرحه لاحقا, فإنه, من واجب الدولة حماية هذه الفئة من الأشخاص, ففي الوقت الذي يتواصل فيه الصخب الإعلامي المتعلق بالخلافات السياسية و المطالب  القطاعية المهنية وإنهاك الجميع في محاولة التأثير في اتجاهات الانتقال الديمقراطي, ضاعت العديد من الأولويات الاجتماعية و منها العناية بالأشخاص ذوي الإعاقة.

تقصير الدولة التونسية في اتخاذ  التشريعات والتدابير اللّازمة لحماية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة 

خصوصية التعريف الحقوقي لمفهوم الأشخاص ذوي الإعاقة في الاتفاقية الدولية

حسب الفصل الأول من الاتفاقية الدولية لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة لسنة [2]2007, يشمل مصطلح الأشخاص ذوي الإعاقة “كل من يعانون من عاهات طويلة الأجل بدنية أو عقلية أو ذهنية أو حسية قد تمنعهم لدى التعامل مع مختلف الحواجز من المشاركة بصورة كاملة وفعالة في المجتمع على قدم المساواة مع الآخرين”. فليس من قبيل الصدفة أن يتم التخلي عن مفردة (معاق أو معوق) الشائعة الاستعمال وهي مفردة ذات شحنة سالبة تمييزية.        

         أمّا اختيار عبارة (الأشخاص ذوي الإعاقة) فتبدو المصطلح الأدق علميا، إذ جاء وفقا للمنظور الأنثروبولوجي الحديث الذي يرفض إقامة تمييز  بين الأفراد والمجتمعات والفئات, والدليل على ذلك اعتبار الأشخاص ذوي الإعاقة كجزء من التنوّع البشري والطبيعة البشرية. يميز مدلول هذا المصطلح في الاتفاقية قيامه على مكونات مترابطة منطلقة من  تعريف طبّي (عاهات طويلة الأجل بدنية [3]أو عقليّة أو ذهنيّة أو حسيّة) وهدفه اجتماعي حقوقيّ بالأساس.

     تبين هذه الاتفاقية علاقة الترابط بين الوضع الصحّي المشخّص طبيّا والوضع الاجتماعي الذي يحول دون تمتّع الشخص بحقوقه والمشاركة الفعالة في المجتمع ممّا يستوجب تفعيل تشريعات تساعد على إدماجه في المجتمع والنفاذ إلى حقوقه الأساسية بما يكفل [4]تكافؤ الفرص والمساواة بين الأفراد.

       تأسّست الاتفاقية على مبادئ عامّة تحفظ كرامة هؤلاء الأشخاص وحرياتهم وحقوقهم مع مراعاة خصوصياتهم البشرية واستقلالهم الذاتي و بالتمعن في عبارات الفصل الثالث وما يليه  يمكننا  تصنيف هذه المبادئ إلى صنفين: 

  • صنف أول ويتمثل أساسا في الحقوق  والحريات الأساسية التي يتمتّع بها الأشخاص ذوو الإعاقة شأنهم شأن غيرهم من الأشخاص. [6]وهي  حقوق منصوص عليها في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان[5]، من ذلك إقرار مبدأ عدم التمييز.
  • صنف ثان من المبادئ يراعي خصوصية الأشخاص ذوي الإعاقة كجزء من التنوّع البشري و ينص على ضرورة قبولهم واحترام قدراتهم وحقهم في الحفاظ على هويتهم وتشريكهم بصورة كاملة وفعالة في المجتمع دون مصادرة حقهم في الاختيار ، والاعتراف باستقلاليتهم الذاتيّة.

جاءت هذه المبادئ كتصحيح للنظرة النمطية السلبية السائدة ومحاولة إيجاد مقاربة حقوقية تلزم الدول الأطراف بالوفاء بتعهداتها تجاه الأشخاص ذوي الإعاقة. لذا سنّت منظومة حقوقية ملزمة للدول الأطراف باتخاذ التدابير التشريعيّة والإداريّة الحامية لحقوق ذوي الإعاقة مهما كان نوع الإعاقة ودرجتها دون أيّ تمييزوالعمل على  دخولها حيز النفاذ , تقوم على  أساس تخطّي المقاربات التقليدية ذات الأساس الرعائي والتي  تعتبر هذه الفئة من الأشخاص عبئا على المجتمع.

الالتزامات العامة الواردة بالاتفاقية

وردت هذه الالتزامات صلب الفصل 4 من الاتفاقية المشار إليها والتي يمكن تلخيصها في النقاط التالية:
– إنّ المقاربة القائمة على حقوق الإنسان تهدف إلى حماية الأقليات والأطراف الأكثر تهميشا مثل الأشخاص ذوي الإعاقة وتغيير أوضاعهم نحو الأفضل, فالمقاربة الاجتماعية الحقوقيّة يجب أن يكون لها أثر على مستوى التشريعات الداخلية والتي على أساسها صدرت الاتّفاقية.
على الدّول المصادقة على المعاهدة اعتماد الإطار التشريعي الملائم في حال غيابه, وإجراء تدقيق  شامل لقوانينها المتعلّقة بالأشخاص ذوي الإعاقة بتحديد ومعالجة ثغراتها وسبل تنفيذها، ويكون ذلك بالمشاركة مع الأشخاص ذوي الإعاقة والمنظّمات التي تمثّلهم ،[7] و جميع الأطراف المعنية . ويجب أن تراعى في التشريعات جميعُ أنواع الإعاقة مهما كانت درجتها،  وأن تنعكس المبادئ العامّة الواردة بالاتفاقية على التشريع الداخلي.   
– إنّ الهدف الجوهري للاتفاقية هو تقليص العراقيل والعقبات حتى يتمكّن الأشخاص ذوي الإعاقة من التعامل مع البيئة المحيطة بالتساوي مع الآخرين ليتسنى لهم الاندماج الكامل في المجتمع. الدّول الأطراف ملزمة بموجب هذه الاتّفاقية بتمكين الأشخاص ذوي الإعاقة من حقوقهم التي من شأنها أن تيسير حياتهم كالحقّ في الوصول أو النفاذ المنصوص عليه صلب الفصل التاسع من [8]المعاهدة. 

    فإمكانية الوصول أو النفاذ إلى البيئة المادية المحيطة ووسائل النقل ونظم المعلومات والاتصالات والخدمات المتاحة لجميع الأفراد شرط أساسي لمشاركة الأشخاص ذوي الإعاقة مشاركة تامّة وعلى قدم المساواة مع غيرهم[9].   

 وقد ورد هذا الإلتزام على نحو مفصّل في الفصل التاسع. فمن دون بيئة مهيأة و وسائل ملائمة لا يتمكن الأشخاص من ذوي الإعاقة من ممارسة هذه الحقوق والتمتع بها سواء في القطاع العام أو الخاصّ، فكيف يمكن مثلا الحديث عن الحق في التنقّل والحال أنه لا يتمّ [10]توفير وسائل نقل مهيأة .

ثراء تشريعي دون فاعلية تذكر

مثل القانون عدد 83 المؤرخ في 15 أوت 2005  المتعلق بالنهوض بالأشخاص “المعوقين” وحمايتهم وقت اصداره تطوراً تشريعياً  إذ [11]كان يهدف إلى ضمان تكافؤ الفرص بين الأشخاص ذوي الإعاقة وغيرهم من الأشخاص وحمايتهم من أيّ شكل من أشكال التمييز.

وقد دُعّم بصدور اتفاقية الأمم المتحدة المتعلقة بالأشخاص ذوي الإعاقة, في 13 ديسمبر 2006 [12]وفتح باب التوقيع عليها في 30 مارس 2007, والتي ترتكز على القانون الدولي لحقوق الإنسان وتسعى إلى معالجة العراقيل التي تمنع الأشخاص ذوي الإعاقات من التمتع الكامل بحقوقهم.

صادقت تونس على الاتفاقية الدولية لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة بمقتضى القانون عدد 4 لسنة 2008 المؤرخ في 11 فيفري 2008 الواقع نشرها بالرائد الرسمي للجمهورية التونسية بمقتضى الأمر عدد 1754 لسنة 2008 المؤرخ في 22  أفريل [13]2008 كمحاولة جادة  لحماية حقوق وكرامة الأشخاص ذوي الإعاقة .

ورغم التضخم التشريعي والسير نحو منظومة حقوقية تعزز حقوق الإنسان والالتزامات التي تنجر عن المصادقة على الاتفاقية الدولية لسنة 2007,  ظلت مسألة حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة رهينة النظريات التقليدية وبعض القوانين التوجيهية و الأوامر والقرارات التي  صدرت قبل الاتفاقية الدولية وهو ما يجعلنا, نتساءل  هل أنها  متطابقة مع هذه الاتفاقية أو حتى مع  دستور 2014 فيما بعد لتبقي في حيز النفاذ إلى اليوم؟

 من الناحية الدستورية تعد تونس مواكبة للقوانين التي تعنى بالأشخاص ذوي الإعاقة ,وهو ما يتجلى  من خلال الفصل 48 من دستور 2014 الذي ينصّ أنه “لكل مواطن ذي إعاقة الحق في الانتفاع، حسب طبيعة إعاقته، بكل التدابير التي تضمن له الاندماج الكامل في المجتمع، وعلى الدولة اتخاذ جميع الإجراءات الضرورية لتحقيق ذلك”.

  رغم الضمانات التشريعية المُستحدثة في هذا الفصل, إلاّ أنّ هذا الإطار الدستوري لم يتسنى له وجود فعلي في القوانين والتشريعات إلى حدّ الآن وحتى القانون التوجيهي عدد 83 لسنة 2005 المؤرخ في 15 أوت 2005 والمتعلق بالنهوض بالأشخاص ذوي الإعاقة وحمايتهم لا يفي بالغرض فقد كرّس النظرة الطبية بامتياز وذلك على أساس أن الإعاقة مسألة صحية فقط تستوجب تدخلا طبيا للوقاية منها.

أثبت القانون التوجيهي عدد 83 لسنة 2005 ( وحتى بعد تنقيحه)عدم ملائمة لأحكام الاتفاقية ومبادئها. وإن أخذ بالمقاربة الاجتماعية جزئيّا في مفهوم الإعاقة، فإنه كرّس أيضاً النهج الرعائي والنهج الطبّي. فالباب الثاني ورد تحت عنوان “الوقاية من الإعاقة” وهو ما يتضارب مع روح الاتّفاقية الدولية و مبدأ الدمج  وقبول الآخر، فكان على هذا القانون أن يصف الأشخاص ذوي الإعاقة  كتنوّع  بشريّ  طبيعيّ  عوضا على جعل الإعاقة بصورة المعضلة  إن صحّ التعبير يجب الوقاية منها والحدّ من آثارها.

 هذا أيضا,  وقد ورد بالباب الخامس الحديث عن المنافع الصحيّة والرعاية الاجتماعية بوصفها احتياجات خاصة لذوي الإعاقة وليست كحقوق تلتزم الدولة بالإيفاء بها, وهو ما كرّس بطريقة أو بأخرى المنهج الرعائي ذي  الأفق الضيق حقوقيا.

 هذا المنهج لا يعامل الأشخاص ذوي الإعاقة بوصفهم أصحاب حقوق يتعيّن حفظها وحمايتها  و تكفي الإشارة  إلى الجملة الأولى الواردة في الفصل 17 من القانون التوجيهي : (تتخذ الدولة والجماعات المحلية والهياكل المختصة عند الاقتضاء إجراءات لرعاية الأشخاص “المعوقين” إذا كانوا من ضعاف الحال وفي حالة عجز بيّن أو فاقدين للسند

 اُستخدمت عبارة “الأشخاص “المعوقين” وهي عبارة تخفي نظرة تمييزية تفاضلية معيارية تميّز ضمنيا بين “المعوق” والشخص “غير المعوق”هذا التمييز ينكر التنوع البشري ويكرّس النظرة الدونية لهذه الفئة, ولهذا الاعتبار ارتأت الاتفاقية الدولية أن تختار المصطلح الأدقّ وهو الأشخاص ذوي الإعاقة ثم إن ّهذه الجملة تتجاهل حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة من الأوساط الموسرة فهل معنى ذلك أنّ الشخص (المعوق) تتكفل بحقوقه أسرته الموسرة دون تدخل الدولة التي ينحصر تدخلها في مجال الأوساط المعوزة فاقدة السند؟

 بعيدا عن الخوض في قراءة القانون التوجيهي إن الفرق بينه وبين الاتفاقية الدولية مسألة تتعلق بالمنهج والمصطلحات ومستويات المقاربة الشمولية التي تأخذ بعين الاعتبار مفهوم الإعاقة, الحقوق, الواجبات, المساءلة, المساواة, الشفافية والمشاركة.

    في هذا الإطار صرح “فرج بن محمد” رئيس جمعية القاصرين عن الحركة العضوية بدوز إن المنظومة التشريعية فيما يخص ذوي الإعاقة في تونس “ما تزال غير كافية وبعيدة عن المأمول، إذ أن الكثير منها غير مفعّل، وهي لا تستند إلى المقاربة الحقوقية”. مؤكدًا أن الدولة لم تلتزم بتعهداتها حين وقعت على اتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة وبقيت شأنها شأن الفصل 48 من [14]الدستور حبرًا على ورق، وفق تقديره.

وكشهادة ميدانية تؤكد الكاتبة العامة للمنظمة التونسية للدفاع عن حقوق الأشخاص  ذوي الإعاقة أن القوانين تطوّرت بعد “الثورة” إلّا [15]أن الحقوق على أرض الواقع تراجعت، معتبرة أن الإشكال يكمن في تفعيل هذه القوانين لتمكين هذه الفئة من الاندماج.

عمدت الاتفاقية إلى إرساء منهج متكامل وصارم لتمكين الأشخاص ذوي الإعاقة من ممارسة حقوقهم على قدم المساواة مع الآخرين، بوضع التزامات على الدول الأطراف لضمان نفاذ الحقوق وعلى المنظّمات العاملة في قضايا الأشخاص ذوي الإعاقة العمل على رفع قدراتها وكذلك قدرات الأشخاص من أهم ما يجب تسليط الضوء عليه,هو تقصير المجتمع والدولة والمواطنين هي قضية النفاذ للفضاء العام سواء الإدارات والمؤسسات أو الفضاءات العامة والطرقات، وذلك رغم وجود تشريعات تنصّ على النفاذ المادي وتعاقب المخالفين ولكن لا وجود لأثر تطبيقي و واقعي.

كيفية تفعيل هذه الترسانة القانونية على أرض الواقع

لئن لم تستحدث الاتّفاقية حقوقا جديدة لهذه الفئة فإنها وضعت معايير مضبوطة لضمان تنفيذ الحقوق تمثّل الحدّ الأدنى الذي ينبغي على الدول الأطراف الالتزام به. ولا يتّسع المقام للإحاطة بجميع التدابير المنصوص عليها لتعددها، سنكتفي هنا ببعض الأمثلة العملية والتي من شأنها تغيير الواقع المعاش للأشخاص ذوي الإعاقة.

دراسة إحصائية شاملة و العمل على تصحيح المصطلحات السلبية

أوّل ما يتعيّن القيام به إعادة صياغة المصطلحات والتخلي نهائيا عن مفهوم (الأشخاص المعوقين) وما ترافقه من مصطلحات مشتركة مع ذلك المفهوم في الخلفية النظريّة كمفهوم الاحتياجات الخاصة والرعاية… ومن ثمّ وقف العمل بالقانون التوجيهي  عدد 83 لسنة 2005 بإلغائه لا بتعديله ( المنقح  بمقتضى القانون عدد 41 لسنة 2016 المؤرخ في 16 ماي 2016 وينصّ هذا القانون على إلغاء الفصل 29 وتعويضه بأحكام جديدة في اتّجاه الترفيع في نسبة الانتدابات السنوية بالوظيفة العمومية المخصصة بالأولوية لفائدة الأشخاص ذوي الإعاقة من 1 إلى 2 بالمائة) بل  والعمل على قانون بديل لا يتعارض مع روح الاتفاقية الدولية ويكرّس المقاربة الحقوقية المتجاوزة للنهج الطبي و الرعائي الإحساني. فحتىّ النصوص و الأوامر الترتيبية والقرارات التي صدرت سابقا بغرض ضمان حقوق هذه الفئة  وإن كانت جزئيا تتطابق مع الاتفاقية المذكورة إلا أنها غير كافية  .  

نقطة أخرى لا تقل أهمية وهي أن الإحصائيات المقدمة استنادًا على بطاقة الإعاقة غير صحيحة ووجب مراجعتها, وذلك لاكتسابها  بالتحيّل للتمتع ببعض الامتيازات.

 وفقًا لأرقام المعهد الوطني للإحصاء هناك ما يقرب من 241000 شخص من ذوي الإعاقة في تونس إلاّ أنه حسب تقارير منظمة الصحة العالمية لسنة 2007 يعيش أكثر من مليار شخص في جميع أنحاء العالم شكل من أشكال الإعاقة، وهو ما يمثل حوالي 15 ٪ من سكان العالم، أي أكثر من واحد على كل سبعة أشخاص, كيف يفسر هذا الاختلاف؟

 لا يزال فارق نسبة الأشخاص ذوي الإعاقة بين سكان العالم وتونس غير مفسرة إحصائيًا, فنسبتهم في تونس تعتبر نسبة ضئيلة جدّا وفقا للإحصائيات المشار إليها. ومن هنا تأتي أهمية وجود أرقام أكثر شمولاً، تتم مشاركتها ومناقشتها علنًا.

فتسليط الضوء على هذا الواقع سيسمح لذوي الإعاقة بالخروج من الظل لمواجهة المجتمع، وهذا المنشود، للعمل على تغيير الوعي المجتمعي[16]  وتسريع تنفيذ التزامات تونس الوطنية والدولية.

بخصوص الحق في التعليم 

تلتزم الدّولة التونسية بموجب الفصل 24 من الاتفاقية, بأن يكون للأشخاص ذوي الإعاقة سبيل إلى تعليم جامع جيّد في المستويين الابتدائي والثانوي على قدم المساواة مع الآخرين وإمكانية النفاذ لممارسة هذا الحقّ. وحتى قبل العمل بالاتفاقية  تبنت تونس برنامج الدمج وسنّته بمقتضى قانون توجيهي للتربية والتعليم المدرسي 80 -2002 المؤرخ في 23 جويلية 2002 الذي جاء داعما لتحقيق مبدأ تكافؤ الفرص و مبرزا حق الأطفال من ذوي الإعاقة في الحصول على الظروف الملائمة للتمتع بالتربية و التعليم وتأهيلهم للاعتماد [17]على النفس وتيسير مشاركتهم الفعلية و اندماجهم في المجتمع.

 وبالتالي من المهم  تغيير السياسة المتّبعة في المدارس العمومية لاستيعاب احتياجات جميع الأطفال واليافعين ذوي الإعاقة  ومراعاة التنوع البشري لإقرار التعليم الجامع أو الدامج واحترام مبادئ المساواة وعدم التمييز. يجب أن تنصّ القوانين بوضوح أن عدم النفاذ والاستبعاد من المدارس العادية يمثّلان تمييزا محظورا لكونهما محكومين بخلفية مفهوم الإعاقة وهو ما نصت عليه الاتفاقية  وسبق [18]الإقرار به في العهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وفي بيان سلامنكا. 

 تنصّ الاتفاقية  على مجموعة من الشروط الدنيا التي تسمح بكفالة حق التعليم الجامع أو الدامج الواردة تحديدا في الفصل 24. لكن لا  يمكن الحديث عن تعليم دامج في المدارس التونسية  دون  توظيف مدرّسين مؤهّلين وتكوين الإطار التربوي بصفة عامة. كما يجب العمل إدماج  لغة الإشارة و” برايل” كلغات رسمية وذلك للحرص على عدم استبعاد الأشخاص الذين يواجهون عقبات في الاتّصال [19]والتّواصل من النّظام التعليمي العام و حتى يكون ذا جدوى لهذه الفئة الواسعة. 

 ولضمان تكافؤ فرص الأشخاص ذوي الإعاقة مع مراعاة خاصة لاحتياجاتهم تلتزم الدولة أو الهياكل المشرفة بتمكينهم من اكتساب مهارات وقدرات تمكنهم من العمل  في المنظومة التعليمية   لتكون مشاركتهم في التعليم وفي مجتمعاتهم مشاركة كاملة وفاعلة. 

بخصوص الحق في النفاذ 

إنّ الأشخاص ذوي الإعاقة متساوون مع غيرهم في الحقوق إذ تنصّ الاتفاقية على حقهّم في التمتع بها تمتعا كاملا غير منقوص, الأمر الذي يتطلب كفالة ممارسة تلك الحقوق دون تمييز, غير أن اختلافهم عن غيرهم  لا يتجسد إلاّ من حيث طبيعة الوسائل اللازمة لممارسة بعض الحقوق. فالمنحدرات لمستخدمي الكراسي المتحركة مثلا وسائل ضرورية لممارسة الحق, فلا يمكن ممارسة الحق في الشغل مثلا دون ترتيبات تيسييريّة معقولة كالعمل على أسطول نقل مهيأ يضمن تنقل الأشخاص ذوي الإعاقة. شريطة ألاّ يتخّذ الاختلاف في [20]وسيلة ممارسة الحق ذريعة تبرّر الانتقاص منه أو تقّيد ممارسته أو الحرمان منه كليّا,

 زيادة  على وجود إشكاليات أخرى تحول دون تحقيق الاندماج في المجتمع كمشكل النفاذ داخل المؤسسة لعدم تهيئة أغلب المؤسسات و تجاهل حق ذوي الإعاقة في النفاذ إلى المعلومة وحتى على مستوى وسائل الإعلام بالنسبة للقاصرين بصريًا وسمعيًا وذهنيًا.

اعتمدت هيئة الانتخابات لغة الإشارة في كل نشاطاتها ومواعيدها الإعلامية في  إطار الانتخابات التشريعية والرئاسية، وهي حالة استثنائية تمكن الأصم من إدراك ما حوله. وتختلف الإشكاليات المطروحة بالنسبة لحاملي الإعاقة البصرية من حيث المضمون بالنّظر إلى اختلاف وخصوصية كل إعاقة عن سواها، إلا أنها من حيث الشكل هي نفسها.

و في الختام بناءً على ما سبق ينبغي أن تتخذ الدولة  تشريعات تفصّل المجمل المنصوص عليه في الدستور وفي الاتفاقية  على أن ترافق هذه التشريعات إجراءات تحفظ حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة بصفتهم مواطنين وتضمن إدماجهم وتشريكهم واحترام استقلاليتهم وكرامتهم واختلافهم وإمكانية الوصول و تفعيل الترتيبات التيسيرية  المعقولة وهي المبادئ الواردة في المادة الثالثة من الاتفاقية.

التوصيات

السلطة التشريعية

  • وقف العمل بالقانون التوجيهي لسنة 2002 لتعارضه مع روح اتفاقية الأمم المتحدة لذوي الإعاقة
  • العمل قانون جديد يتطابق مع الدستور ( الفصل 48) و مع الاتفاقية في موضع ثان و جمع شتات النصوص المبعثرة في مجلة قانونية.

السلطة التنفيذية

  • إنشاء آلية اتصال و تنسيق داخل الحكومة تتكفل بالسهر على تنفيذ الالتزامات الدولية ومتابعتها أمام جميع الوزارات والسلطات الجهوية وعدم جعل وزارات معنية (وزارة الصحة العمومية ووزارة الشؤون الاجتماعية) تتناول المسائل المتعلقة بالأشخاص ذوي الإعاقة تطبيقا لمبدأ التمييز.

وزارة الشؤون الاجتماعية

  • يفترض تكوين قدرات متخصصة في قضايا الأشخاص ذوي الإعاقة لإعداد وكتابة التقارير الموازية وتدريب أعضائها على المنهجية العلمية والمبادئ التوجيهية المناسبة في الرصد, وتطوير المقاربة الاجتماعية المحلية والمتابعة لتنفيذ الالتزامات المقررة في الاتفاقية الدولية 
  • إرساء سياسات تنموية مستدامة تدمج في برامجها الأشخاص ذوي الإعاقة بوصفهم أصحاب حقوق في إطار تشاركي مع منظمات الأشخاص ذوي الإعاقة ولا أن تغدو الإعاقة شأنا منفصلا يحتاج إلى سياسات خاصة.

وزارتي التربية و التعليم العالي

  • العمل على إرساء التعليم الشامل و التربية الدامجة لذوي الإعاقة  

وزارة النقل

  • السعي والحرص على تهيئة النقل العمومي والفضاءات لتمكين ذوي الإعاقة من ممارسة حقوقهم أخذا بعين الاعتبار جميع أصناف الإعاقة سمعية, بصرية, عضوية…. 

 المنظمات والمجتمع المدني

  • إحداث آلية رصد وطنيّة مستقلة أو إنشاء وحدة متخصّصة معنية بشؤون الأشخاص ذوي الإعاقة في الهيئة العليا لحقوق الإنسان  والحريات العامة.
  • تنظيم منظّمات الأشخاص ذوي الإعاقة لحملات مدافعة وكسب تأييد هادف إلى تعديل سلوك الوزارات والمؤسسات لجعل برامجها شاملة غير اقصائية للأشخاص ذوي إعاق

[1] تقارير المعهد الوطني للإحصاء المتعلق بالتعداد السكاني لسنة 2014, https://www.cahiersdelaliberte.org/blog/إحصاءات-الإعاقة-الضلال-التونسي/ [2] اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة https://www.ohchr.org/AR/HRBodies/CRPD/Pages/ConventionRightsPersonsWithDisabilities.aspx#2 [3] مهند صلاح العزة، اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة بين متطلبات التنفيذ والرصد الفعال، سلسلة الدراسات الاجتماعية عدد 68 الأردن, 2011, ص 31. http://gcclsa.org/uploaded/files/68-2011.pdf [4] جمال محمد الخطيب, مقدمة في تأهيل الأشخاص المعوقين, دار وائل للنشر والتوزيع, الأردن, 2010, ص25. [5]    الإعلان العالمي لحقوق الإنسان هو وثيقة حقوق دولية تمثل الإعلان الذي تبنته الأمم المتحدة 10 ديسمبر 1948 والذي  يكفل حقوق الأساسية للإنسان و يتألف من 30 مادة. https://www.un.org/ar/universal-declaration-human-rights/  [6]   المادّة 2 من  الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر في 10  ديسمبر 1948. [7]   المادّة 2 من  الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر في 10  ديسمبر 1948. [8]   الفصل 9 من الاتفاقية الدولية لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة: ” 1. لتمكين الأشخاص ذوي الإعاقة من العيش في استقلالية والمشاركة بشكل كامل في جميع جوانب الحياة، تتخذ الدول الأطراف التدابير المناسبة التي تكفل إمكانية وصول الأشخاص ذوي الإعاقة، على قدم المساواة مع غيرهم، إلى البيئة المادية المحيطة ووسائل النقل والمعلومات والاتصالات، بما في ذلك تكنولوجيات ونظم المعلومات والاتصال، والمرافق والخدمات الأخرى المتاحة لعامة الجمهور أو المقدمة إليه، في المناطق الحضرية والريفية على السواء. وهذه التدابير، التي يجب أن تشمل تحديد العقبات والمعوقات أمام إمكانية الوصول وإزالتها…” [9]  لطفي بن للّهم، آلية عمل لجنة الأمم المتحدة المعنية بحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة. منشورات معهد جنيف لحقوق الإنسان 2014. ص 16. [10]  عياض الصادق العمامي, الاتفاقية الدولية لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة, مجلة المنال الالكترونية, سبتمبر2015. https://almanalmagazine.com/بحوث-ودراسات/الاتفاقية-الدوليّة-لحقوق-الأشخاص-ذوي/  [11]   الفصل 1 من القانون التوجيهي عدد 83 لسنة 2005 المؤرخ في 15 أوت 2005 المتعلق بالنهوض بالأشخاص المعوقين وحمايتهم. https://wrcati.cawtar.org/preview.php?type=law&ID=286  [12]   اعتمد النص من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة في 13 ديسمبر 2006 وفتح باب التوقيع عليها في 30 مارس 2007. بعد التصديق عليها من قبل 20 دولة فقد دخلت حيز التنفيذ في 3 مايو 2008 اعتبارا من مارس 2015 صدق 153 طرف ووقع 159 طرف على المعاهدة بما في ذلك الاتحاد الأوروبي (الذي صادق عليها في 23 ديسمبر 2010 للحد من مسئوليات الدول الأعضاء في النقل إلى الاتحاد الأوروبي). في ديسمبر 2012 صوت مجلس الشيوخ الأمريكي للتصديق عليها. يتم رصد الاتفاقية من قبل اللجنة المعنية بحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة. [13]   الأمم المتحدة, لجنة المعنية بحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة تنفيذ الاتفاقية الدولية لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة التقرير الأولي المقدم من الدول الأطراف بموجب المادة ٣٥ من الاتفاقية,  تونس*, CRPD المتحدة الأمم/ C/TUN/11 حويلية 2010, ص 8. [14]     رجاء غرسة, النفاذ للخدمات وللمعلومة هاجس يقي ذوي الإعاقة في تونس, مقال وارد في الترا تونس بتاريخ 14 أكتوبر 2019  انظر الرابط:https://ultratunisia.ultrasawt.com/ [15]   رجاء غرسة, النفاذ للخدمات وللمعلومة هاجس يقي ذوي الإعاقة في تونس, نفس المرجع السابق. [16]   إحصاءات الإعاقة: الضلال التونسي’ وردت ضمن cahier de la liberté بتاريخ 19 نوفمبر 2020. https://www.cahiersdelaliberte.org/blog/إحصاءات-الإعاقة-الضلال-التونسي/  [17]   نجوى جوبالي, أثر اتجاهات المعلمين بالفصل الدامج نحو التلميذ في وضعية إعاقة سمعية على تملكهم لمنهجية إدماجه, ، مجلة إعاقة ووقاية، عدد 35 ديسمير 2016. ص11, 12. [18]   جمال محمد الخطيب, مني صبحي الحديدي, قضايا معاصرة في التربية الخاصة, دار وائل للنشر, الأردن 2010, ص 86 و ما يليها. [19]    فوزية مغازوة ونجوى جوبالي، (اتجاهات معلمي المدارس الدامجة نحو الإدماج المدرسي، مجلة إعاقة ووقاية، عدد 33 مارس 2014. ص 29 و30. [20]   مهند صلاح العزة، اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة بين متطلبات التنفيذ والرصد الفعال، نفس المرجع السابق.

المراجع الببليوغرافية
المساهم

عفاف كواص

باحثة متحصلة على درجة الدكتوراه من كلية الحقوق والعلوم السياسية بتونس ، يركز عملي البحثي على قانون البحار الدولية الكلاسيكية والمتطلبات الجديدة المرتبطة بنمو الجرائم البحرية. عملت أيضًا باحثة في منظمة Handicap International

العودة إلي أعلى